القضاء على التراث السوري
إن النيران التي اندلعت في سوق المدينة التاريخي في حلب أثارت قلقاً حول سلامة المواقع التي تشكّل مكوّنات أساسية في صلب الحياة الاجتماعية والثقافية والتي تصنّف في طليعة عوامل الجذب السياحية في سوريا. إلا أن الأضرار لم تقتصر على سوق المدينة بل طاولت المواقع الستة التاريخية في سوريا وفقاً لقائمة التراث العالمي للأونيسكو. وقد أصدر صندوق التراث العالمي في تقريره في أيار 2012 لائحة بأسماء المواقع التي تأثّرت بالحرب وهي تشمل على سبيل المثال لا الحصر:
-
القرى الأثرية في شمال سوريا (القرى البيزنطية المسيحية)
-
آفاميا وقلعة المضيق
-
بصرى
-
قلعة الحصن
-
قرى دمشق وحلب
-
تدمر
-
حماه
-
حمص (مساجد وكنائس وأحياء تراثية)
نتجت الأضرار بمعظمها عن القصف والثقوب الناتجة عن طلقات الرصاص التي طالت تلك المواقع، خصوصاً في القرى التاريخية حيث المئات من الأديرة والكنائس البيزنطية، كما تمّ تخريب تلك المواقع من خلال رسم الأعلام على جدرانها. احتل الجيش أعمدة مدرج أفاميا وقلعة المضيق مع أنباء عن قصفٍ شديد على الموقعين، وجرى نهب العديد من تيجان الأعمدة والفسيفاء الرومانية بفضل أجهزة متطورة استخدمها الناهبون. ويشير تقرير صندوق التراث العالمي إلى أن مساحة المنطقة المنهوبة في أفاميا تفوق المساحة ما يبرهن عن مهارةً عالية لدى هؤلاء.
أما مدينة بصرى التي تحوي العديد من الآثار الرومانية والأيوبية، فقد جرى الرسم على جدرانها وتدمير مسجد العمري أثناء القتال، ولم تنج قلعة الحصن من القصف فكانت هي الأخرى شاهدةً على الاشتباكات الحاصلة بعد أن هدّد المسلحون حرّاس القلعة وخرِّبوا داخل المسجد ونهبوا القلعة بما فيها. كانت للأبنية والأسواق التاريخية في مدينتي حلب ودمشق حصّة في الأضرار أيضاً، فقد تأثر نحو سبعمائة إلى ألف متجر بالإشكالات المسلحة بين الجيش والثوار في حلب، أما في دمشق فجرى تفجير سيارة مفخخة خارج سوق الحميدية. بالإضافة إلى ذلك، أفادت بعض المصادر أن الجيش قد اتخذ قاعدةً له في قلعة تدمر وبات يستخدمها كمنصة لمراقبة بلدة الثوار، فضلاً عن أخبار أخرى عن أعمال سرقة ونهب تعرض لها معبد بل ووادي القبور. في وسط هذه الفوضى، أمر الرئيس السوري بشار الأسد بالقيام بالترميم اللازم للمواقع المتضررة قبل العام 2013، لكن الحالة الراهنة تعيق إمكانية تحقيق ذلك.
إلى جانب المواقع الأثرية، مهّدت هشاشة الأوضاع الأمنية في سوريا إلى حدوث سرقات في المتاحف، فقد تمت سرقة تمثال آرامي ذهبي في متحف حماه لدى تعذر موظفي المتحف من التواجد فيه نتيجة الحصار الذي فرض على المدينة. وضع الانتربول هذا التمثال في طليعة الأشياء المطلوبة ودعا المسؤولين للمساهمة في التفتيش عنه وعن صور الفسيفساء المفقودة من أفاميا. أما في مدينة رقة، فقد تمت سرقة 17 تحفة من متحف قلعة جابر في شهر أيار، من بينها صور للآلهة عشتار والخزفيات العائدة إلى العام 72 قبل الميلاد. بالرغم من أن سوريا مشهورة لوضعها ضوابط ونظم صارمة لحماية الإرث التراثي، يبدو أن زمام الأمور بدأ يفلت من يديها مع بدء الثورة.
في هذه الحرب ضد الإرث التراثي السوري، من الصعب رمي الاتهامات جزافاً، فهذا الإرث ملك الجميع والجميع يتشارك مسؤولية الحفاظ عليه. فاللوم يقع على من قصف تلك المواقع بقدر ما يقع على من كان مختبئاً داخلها. اليوم وبعد أن دخلت الحرب سنتها الثانية، باتت تكاليف إعاة الإعمار ثقيلة جداً على كاهل الاقتصاد، والأرجح أن استمرار النهب والتدمير سيزيد الأمور سوءاً ويعيق عملية انتعاش القطاع السياحي. من الطبيعي توقّع التدمير في مناطق الحروب، لكن واقع أن هذا التدمير يطال مواقع بعيدة عن الأوساط المدنية كتدمر، فمعناه أنه متعمّد وليس عشوائي.
اترك تعليقا