الجمعية اللبنانية للتوحّد-هم أيضاً بمقدورهم التّعلم

تأسيس الجمعية اللبنانية للتوحّد

في العام 1998، سنحت الفرصة للسيدة أروى الأمين حلاوي، رئيسة الجمعية اللبانية للتوحد، بالتعرّف على مجموعة من الأمّهات اللواتي عايشن نفس التجربة واختبرن نفس التحديات التي واجهتها إثر تشخيص ابنها باضطراب التوحّد. جمعت المحنة المشتركة هؤلاء الأمهات وتحوّلت لقاءاتهنّ إلى منصّة لتبادل التجارب والبوح بالهواجس والمخاوف التي راودتهنّ خلال مختلف المراحل بدءاً بمرحلة الإنكار مروراً بمرحلة الكآبة ووصولاً إلى مرحلة التصالح مع حالة أبنائهم. وايمانًا منهنّ بأن الكشف عن اختلاجات النفس يريح الإنسان ويزيل نصف الهموم عن كاهله، تعاونت هذه الأمهات مع مجموعة من المتخصصين لإنشاء جمعية تعنى بحالة التوحّد، فأبصرت الجمعية اللبنانية للتوحد النور في آذار من العام 1999 بموجب العلم والخبر 19/أد لتوفير الدعم والخدمات للأطفال المصابين بالتوحّد ونشر التّوعية حول المشاكل المرتبطة بهذا الاضطراب والطريقة المثلى لمقاربتها.

ما هو التوحّد؟

التوحّد هو اضطراب في النمو يتمّ تشخيصه خلال السنوات الثلاث الأولى من الحياة وهو يتمثّل في خللٍ على مستوى التواصل الاجتماعي والتفاعل مع المحيط والآخرين. لا يزال السبب الأساسي المؤدي إلى التوحّد مجهولاً حتى اليوم، لكنّ العوامل التي يُعتقد أنها تعزّز ظهور عوارض التوحّد فترتبط ببعض التشوّهات الجينية أو التأثيرات البيئية التي تعيق الوظيفة الطبيعية للدماغ.

تتنوّع حالات التوحّد وقد تتراوح الأعراض من خفيفة إلى خطيرة أما المصابون فيختلفون بشكلٍ كبير من حيث الشخصية والقدرات. لكن العوارض التي يتمّ لحظها في مرضى التوحّد فتشمل سلوكيات نمطية ومتكرّرة، تأخر في النطق وضعف في اللغة، عزلة عن المحيط والنشاطات الاجتماعية، مقاومة شديدة للمس، تجنب النظر إلى الآخرين وغيرها الكثير.

لا يمكن الشفاء نهائيّا من اضطراب التوحد لكنّ السيّدة حلاوي تفيد أنّ من الممكن تحقيق خطوات كبيرة في تلطيف حدّة الاضطراب وتعليم الشخص الذي يعاني من التوحد بعض المهارات الأساسية التي تمكّنه من الاعتماد على نفسه وتحقيق نوع من الاستقلالية إذا ما تمّ التشخيص والتدخّل في مرحلة مبكرة .

البرامج والنشاطات

تحقيقاً لمهمتها، حرصت الجمعية اللبنانية للتوحّد منذ تأسيسها إلى تصميم برامج ترتكز على تحسين مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي بالإضافة إلى المهارات الإدراكية للطفل الذي يعاني من التوحّد بغية تسهيل دمجه وانخراطه ضمن المحيطات الاجتماعية والتربوية الطبيعية.

تقوم الجمعية حاليًا بتلبية حاجات الأطفال الذين يعانون من التوحّد من خلال مشروع (CCA) الذي يتم تطبيقه حاليًا في مدرسة القلب الأقدس في الجميزة ومدرسة الضحى، وهو عبارة عن مجموعة من الصفوف المتخصصة التي تقدّم برنامجاً فردياّ يتناسب مع الاحتياجات والقدرات الخاصة بكل طفل بمساعدة فريق متعدّد الاختصاص يشمل اختصاصيين في علاج النطق وفي العلاج النفسي الحركي وفي التربية التقويمية بالإضافة إلى مدرسّي ظلّ مهمتهم متابعة التلاميذ الذين يعانون من التوحّد داخل الصف ومساعدتهم للمشاركة في النشاطات والانخراط الجزئي أو الكلي في نمط الحياة الدراسية الاعتيادية.

في العام 2006، أطلقت الجمعية المدرسة المهنية للشباب الذين يعانون من التوحّد (TSA) في محاولةٍ لتوفير التدريب المهني لتعزيز قدرة المراهقين المصابين بالتوحّد على الاعتناء بأنفسهم وتحضيرهم للاندماج مستقبلاً في الحياة العملية والمهنية، كلٌّ حسب طاقاته وقدراته. ينظّم هذا البرنامج ورشات عمل تهدف إلى أقلمة هؤلاء مع النشاطات اليومية الاعتيادية كالطبخ أو العمل في البستان أو غيرها، ويقوم أخصائيون مهنيون بمساعدتهم على اكتساب وتطوير مهارات مهنية وحرفية مختلفة كصنع الشوكولا، والتصوير، والرسم، والنجارة وغيرها. ويرافق المراهقين الذين يعانون من التوحّد أيضاً مدرسّو ظلّ مهمّتم إدارة سلوكهم وتحسين أدائهم لدى قيامهم بالمهام المختلفة ضمن محيط العمل الطبيعي.

أما المشروع الثالث الذي أطلقته الجمعية فهو مركز التشخيص والتدخل المبكر الذي تأسس عام 2005 بتمويل من مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية وكان الهدف منه توفير التشخيص والتدخل المبكرين للأطفال ذوي العوارض التوحدية وغيرهم ممّن لديهم احتاجات خاصة على أن يكونوا دون السادسة من العمر. يتولّى إدارة هذه المشروع فريق عمل متعدّد التخصص يتألف من اختصاصيين في علاج النطق وفي العلاج النفسي الحركي وفي التربية التقويمية ومعالجين نفسيين ومنسّق. يتمّ اللقاء مع العائلة التي تقصد المركز للاستشارة أو المساعدة وذلك بغية ملء المعلومات اللازمة عن حالة الطفل ووضع العائلة ثمّ القيام بالتقييم ووضع خطة العمل المناسبة. بالإضافة إلى جلسات التدخل وخطط العمل الفردية التي يصممها الفريق المتخصّص، يقوم المركز أيضاً بالتعاون مع المدارس ودور الحضانة الأخرى لمتابعة تطوّر الطفل والتنسيق مع أساتذة الظلّ. كما يقوم المركز برفع التوصيات بشأن الطفل المعني وينظّم جلسات إرشادٍ عائلي.

التوعية والتمويل

تنظّم الجمعية اللبنانية للتوحّد مجموعات دعم شهريّة لتعزيز التواصل بين الأهل ومساعدتهم على تقبّل حالة أبنائهم ومواجهة وصمة العار التي عادةٍ ما تلتصق بذووي الاحتياجات الخاصة في مجتمعاتنا وبالتالي حثّهم على التنفيس عن المخاوف والهواجس التي تراودهم، كما أنّها تعنى بتدريب جمعيات توحّد محلية وإقليمية وتحرص على إقامة ندوات ومؤتمرات تتناول هذا الاضطراب وسبل مقاربته.

وقد قامت الجمعية برعاية البنك الدولي بنشر عدد من الكتيّبات القيّمة لتوعية الرأي العام حول التوحّد وإرشاد الأمّهات للتعاطي بشكلٍ أفضل معه، كما أنها تكرّس اهتمامًا خاصاً بمناسبات ونشاطات جمع التبرّعات( اليوم الترفيهي، العشاء الخيري..) لتسليط الضوء على هذا الاضطراب ودفعه إلى الواجهة.

تتابع الجمعية اللبنانية للتوحّد نشاطها بفضل التبرعات الفردية والمنح التي تتلقّاها من منظّمات عالميّة، بالإضافة إلى الدعم المادي على المستوى المحلي من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية. 

اترك تعليقا