نجلاء بشور - مؤسسة تالة التربوية
هلاّ أعطيتنا نبذة عن تاريخ مؤسسة "تالة"؟ ماهي هذه المؤسسة وما الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها؟
مؤسسة «تالة» هي مؤسسة ثقافية وتربوية تهدف إلى تطوير التربية بمجالاتها المختلفة، إن من خلال التعليم النظامي أي داخل المدارس أو من خلال التعليم غير النظامي أي خارج الإطار المدرسي، في المكتبات العامة والمراكز والنوادي وغيرها.
بادرت إلى تأسيس «تالة» عام 1985 نظراً لالتماسي افتقارنا للألعاب والقصص التربوية العربية المتطوّرة. زادني هذا النقص في المكتبة اللبنانية والعربية قناعةً بضرورة إنتاج وسائل تربوية حديثة تحافظ على الهوية التراثية العربية وتقدّمها بطريقة جذابّة تتماشى مع العصر وتتناسب مع عمر الأطفال ومحيطهم. في مرحلةٍ لاحقة، أيقنت أن إنتاج الوسائل التربوية فحسب غير كافٍ ولا يمكن أن يكتمل ما لم يترافق مع تدريبٍ محترفٍ للمعلمين والمربّين على كيفية استخدامها، فقرّرت توسيع نشاط المؤسسة لمساعدة المعلّمين على تحسين أدائهم من خلال وضع برامج ورشات عمل تدريبية مرتكزةٍ على دراسات وأبحاث حول الطرق والوسائل التربوية وثقافة الأطفال خصوصاً في مرحلة التعليم المبكر.
تمحور عمل المؤسسة في المرحلة الأولى حول إنتاج الألعاب التربوية، لكني لم ألبث أن أطلقت السلسلة الأولى من القصص التي كانت تتناول السيرة الخيالية لسيف بن ذي يزن، وهو أحد أشهر الشخصيات التراثية العربية. ترافقت السلسلة مع كاسيت تضمّن أغانٍ ومؤثرات صوتية وموسيقية ساهمت في إنجاح هذا المشروع الذي ضمّ مزيجاً فريداً من المواهب الخلاقة أمثال الروائي العربي مؤنس الرزاز، الدكتور بطرس روحانا، الموسيقي بول مطر والرّسام بلال فتح الله.
كيف يتمّ التواصل مع الروائيين أو الرّسامين لإنجاح منتج معيّن؟
الواقع أنني كنت أمتلك رؤية واضحة لما أبتغيه من هذه التجربة منذ انطلاقة «تالة»، لكنّ عملي مع مجموعة من الأشخاص ساهم في تطوير وبلورة هذه الرؤية. عادةً ما يتمّ الاتصال بطريقتين. إما أن تكون الفكرة حاضرة في ذهني، كما كانت الحال مع سيف بن ذي يزن، فأتواصل مع من أراه قادراً على تجسيدها على أحسن حال، إما أن يقصدني أحدهم مع فكرةٍ نعمد على تطويرها سوياً كتجربة مسرح الدّمى مثلاً التي سمحت بخلق حالات تربوية من خلال الحوارات مع الأطفال، وقد كان سيف بن ذي يزن دمية أيضاً آتية من التراث للتحاور مع الأطفال وإكسابهم المفاهيم والقيم التراثية بصورة حديثة.
ما هي طبيعة الألعاب التي تنتجها "تالة"؟
تشكّل اللعبة جزءاً من متطلبات الحياة اليومية للطفل وهي دوماً الطريق الأسهل إلى قلبه ومخيلته وبالتالي وسيلة تربوية تسهم في تنمية قدراته ومعارفه، لذلك اخترت تضمين الألعاب رسالةً تربوية وتثقيفية تساعد الطفل على الاستمتاع من جهة وتشرّب المضمون التعليمي والأدبي من الجهة الأخرى. والحقّ أنّنا أنتجنا مجموعة واسعة من الألعاب التربوية منذ نشأة المؤسسة وقد نالت رواجاً واسعاً واستحساناً كبيراً لدى الأطفال والأهل والمدارس. ربما كانت اللعبة الأكثر نجاحاً التي نلنا عليها جائزة في معرض الكتاب العربي في بيروت عام 1992 كانت لعبة مشوار في لبنان التي تعرف الأطفال بمعالم لبنان المختلفة من خلال لعبة موسوعية. حققّت لعبتا «حقوق الطفل» و«حكايات» نجاحاً كبيراً وقد تمً إطلاق الأولى من ضمن جعبة حقوق الطفل التي تضمنت أيضاً سلسلة من القصص ودليل عملي للمربّي وبطاقات وملصقات. أما الثانية فقد أنتجت بالتعاون مع وزارة الثقافة بمناسبة بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2010 وهي عبارة عن لعبة جماعية غير تقليدية تشجع الأطفال على المطالعة من خلال إطلاعهم على مضامين أدب الأطفال والشباب في لبنان والبلدان العربية ودول العالم، فتعرفهم بالشخصيات والأحداث وكُتّاب هذه الآداب وتحفزهم على متابعتها وقراءتها.
أنا من أشدّ المؤمنين بمبدأ المنهج المتداخل كونه يساعد على النظر إلى الموضوعات من خلال زوايا مختلفة، بغية تنمية مهارات مختلفة، والحقّ أن التربية الحديثة تتّجه اليوم وبخطىً ثابتة نحو هذا التكامل والتداخل، لذلك تلاحظين أن الألعاب الصادرة عن «تالة» تتوجّه بمعظمها إلى الأعمار المتراوحة بين 4 و 8 سنوات لأن التركيز الأكبر على الأنشطة والوسائل التربوية يكون عادةً خلال هذه المرحلة التأسيسية.
ماذا عن القصص؟
لا تقلّ القصص أهمية عن اللعب التربوية فهي وسيلة أساسية لتحقيق نمو الطفل وتعزيز قدراته الذهنية والإدراكية. من هنا، حرصت على إنتاج قصصٍ تهدف إلى تعزيز حبّ الطفل للغة العربية من خلال تقديمها بطريقة سهلةٍ وبسيطة وحديثة بعيداً عن الجمود والصرامة. تعدّدت السلاسل الصادرة عن مؤسسة «تالة» وتضمنّت كلّ منها مجموعة من القصص تتوجه إلى مراحل عمرية مختلفة تتراوح بين 3 و12 سنة، أما الموضوعات التي تتناولها فهي غنيّة ومتعدّدة وتشمل على سبيل المثال لا الحصر كالصداقة والعلاقات الأسرية وقبول ذوي الإعاقات العقلية والجسدية كأشخاص مختلفين، المعالم الجغرافية والحضارية في لبنان، علاقة الطفل بمحيطه وكيفية تفاعله معه، الألوان، الحقوق والقيم وغيرها الكثير.
تتخلّل القصص رسوماً جذابّة وإخراجاً فنياً متقناً من شأنه صقل ذوق الطفل وتعزيز حسّه الفني كما يرافق البعض منها دليل معلّم يرمي إلى استخدام القصة في المنهج وإطلاع المعلّمين على مبادىء ومفاهيم عامة وخطوات عملية لتسهيل تفاعل الطفل مع القصّة ضمن إطار منهجٍ متداخل.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من هذه القصص حائزٌ على جوائز مرموقة لبنانية وعربية وعالمية إن على مستوى النص أو الإخراج الفني، كما تمّت ترجمة سلسلة «حنين» التي تروي أحداثاً تدور في فلسطين والتي أنجز رسومها أطفالٌ فلسطينيون إلى اللغتين الإنكليزية والماليزية. كما أننا بدأنا مؤخرًا تجربتنا الأولى مع الكتب الالكترونية ونأمل الاستمرار في هذه التجربة.
لماذا ينظر اللبنانيون إلى اللغات الأجنبية على أنّها أرقى من لغتهم العربية؟
هذه إحدى المشكلات الأساسية التي نواجهها، ليس على مستوى المؤسسة فحسب بل في جامعاتنا ومجتمعاتنا ككلّ. في الحقيقة، هناك وللأسف جوٌّ عام بأنّ اللغة العربية هي لغة متخلّفة وليست لغة علم. قد أتمكّن من تفهّم من يسعى لاستكمال دراساته العليا في اللغات الأجنبية، لكنّ التكلّم ضمن العائلة الواحدة أومخاطبة الأبناء باللغات الأجنبية لا بل الافتخار بعدم إتقان العربية أمرٌ أعجز عن تقبلّه نهائيًا. فما من مجتمع تقدم إلا بلغته الأم، وما من مواطنٍ فرنسيٍ يرضى استبدال لغته الأم بأخرى أجنبية وهم يرفضون رفضاً قاطعاً أي نوع من أنواع الاستعمار الثقافي لكنّ هذا ليس في طليعة همومنا نحن العرب واللبنانيين. ولكن للأمانة، لا بدّ أن أشير إلى أنّ هنالك حملات بدأت مؤخرًا باتجاه حماية وإحياء اللغة العربيّة.
مؤسسة "تالة" ناشطة أيضاً في مجال التدريب وورش العمل. ما مدى أهمية هذه النشاطات على مستوى التربية؟
تدريب المعلمين والمنسقين أمرٌ ضروري وأساسي لإنجاح العملية التربوية. فمهما كان المنهج مثالياً، لا يمكن للعملية التربوية أن تكتمل ما لم يتمتّع المربّي بالكفاءة اللازمة لفهم هذا المنهج والتعامل معه والاطلاع على ما هو جديد من الأبحاث حول الطفل وكيفية تعلمه وبالتالي الطرائق التربوية الحديثة التي تتناسب معها . لذلك أقوم بتنظيم ورش عمل تدريبية متكاملة للمربين والمعلمين ومنسقي اللغة في لبنان والدول العربية وبالتعاون مع منظّمات محلية وعالمية بغية تنمية مهاراتهم وخبراتهم وبالتالي تحسين الأداء وتطوير العملية التربوية.
تتوسّع موضوعات ورش العمل لتشمل إلى الطرائق التربوية الحديثة أدب الأطفال وتنمية المفاهيم والمهارات العلمية من خلال المنهج، وكيفية كتابة القصص وبناء الحبكة واستخدام الشخصيات مع الأطفال وغيرها الكثير.عادةً ما تدوم ورشة العمل من يومين إلى خمسة أيام والحمد لله أن هذه النشاطات تلقى الترحيب والتجاوب والتعاون من قبل البلديات والجهات الرسمية المختصة كوزارات التربية والثقافة.
اترك تعليقا