ميشال نوفل - صراعات الزواج
غالباً ما يقترن مفهوم مجتمعاتنا للخلافات الزوجية بمشاعر الغضب والسلوكات الخاطئة التي تناقض مبدأ التناغم والانسجام. لكنّ المفارقة أنّه من الطبيعي جداً اختبار الشريكين لبعض الصراعات الزوجية التي قد تتفاوت من مجرّد فوارق صغيرة إلى شجارات حادّة من شأنها إما تفكيك العلاقة أو تعزيزها وتطويرها. لذلك، لا بدّ من التمييز بين الصراعات السلبية والصراعات الايجابية.
في الواقع، إن تصوّرنا السّلبي للصراعات الزوجية هو ما يرمي هذه الصراعات في خانة القضايا المحظورة. وغالباً ما تشمل الصراعات السلبية سلوكات مدمّرة تسيء إلى صحّة العلاقة ومتانتها وتثير ما يصفه الناس بمشاعر الكره والعدائية والتحطيم، كما أنها تؤثر على حميمية العلاقة وسعادة الشريكين وحتى صحتهما البدنية.
يشكّل «كبت الغضب» أحد هذه الصراعات السلبية وهو عبارة عن كبتٍ غير واعٍ عن مشاعر الغيظ يتجسّد في طرق مختلفة. إحدى هذه الطرق هي اختزان الغضب والسخط إلى أن ينفجرا مرّة واحدة في نهاية المطاف أو الانحدار إلى حالةٍ من الكآبة أوالملل أو الأكل المفرط أو حتى اللجوء إلى سلوكات عدائية كالتعنيف الكلامي أو الجسدي.
ثاني أنواع الصراعات السلبية هو «العدوانية السلبية» التي تعني التعبير عن مشاعر الاستياء بطريق غير مباشرة عوضاً عن البوح بها بصراحة وشفافية. يعبّر البعض عن امتعاضهم الدفين من الشريك من خلال التذمّر أو التهكّم أو المماطلة في الوفاء بالوعود التي قطعوها. ترتبط «العدوانية السلبية» بما يعرف «بالمعاملة الصامتة» وهي حين ييجاهل المرء شريكه مدعياً أنّ الأمور على خير ما يرام في حين تشير كل تصرفاته إلى العكس تماماً.
تؤدي الصراعات السلبية بين الشريكين إلى إضعاف ثقة المرء بنفسه، فالوقوع «ككبش محرقةٍ» في العلاقة لا يساعد إطلاقاً على تحسين وتطوير الذات. والمقصود «بكبش محرقة» إلقاء اللوم على طرفٍ واحد على الدوام وتحميله مسؤولية كافة الأخطاء التي تحصل. أما بعض التصرفات الأخرى التي تؤثر على ثقة المرء بنفسه وتقديره لذاته فهي انتقاد أحد الشريكين اللاذع للشريك الآخر وسخريته من مفهوم هذا الأخير للواقع.
بالرغم من السلبية المحيطة بالصراعات الزوجية، يمكن لهذه الصراعات أن تدرّ بالفائدة على العلاقة والشريكين. تتضمّن الصراعات الايجابية كافة الفوارق والاختلافات التي تنشأ بين الطرفين لكنّها تساعد في تعزيز الحميمية وثقتي الشريكين بنفسهما، فتخلق احتراماً أكبر وتفاهماً أعمق بينهما.
تلعب هذه الصراعات دوراً أساسياً في كشف وتوضيح الفوارق الدفينة بين الشريكين، وبالتالي تشجيع الحلول اللازمة لمقاربة هذه الاختلافات، ما يتيح لكل طرف فرصة المشاركة في إيجاد حلٍّ يحفظ حقّ الطرف الآخر.
بالإضافة إلى ذلك، يساعد التعامل مع القضايا الصغيرة على منعها من التفاقم والتحوّل إلى شجارات حادّة، فالشركاء الذين يخفقون في معالجة الإشكالات والمناوشات البسيطة بصورةٍ دورية يكونون في طور تحقين وتخزين السخط والضغينة تجاه بعضهم البعض. يفسح التعاطي مع المشكلات الصغيرة مجالاً للمصارحة والانفتاح على الآخر ويعزّز التواصل بين الطرفين لما في مصلحتهما المشتركة.
يدرك الجميع أن الصراعات أمرٌ لا مفرّ منه في العلاقة بين الشريكين، ومهما كانت المشكلة بسيطة، فمن الممكن تصويرها كنزاعٍ مضنٍ وخطرٍ يهدّد العلاقة ومن فيها. لذلك، لا يجوز غض الطرف عن هذه المشكلات والرجاء بأن تصطلح الأمور تلقائياً، بل ينبغي على الطرفين تعلّم التعاطي معها برشد ومسؤولية بغية النضوج والتأكيد على قيم المساواة بينهما.
اترك تعليقا