حنّا سعادة - روماتيزم العضلات في المسنّين
يصيب ألم العضلات الرّوماتيزمي من تجاوز الخمسين من عمره ويصبح أكثر شيوعاً مع طعون العمر كما أنّه يصيب النساء بنسبة أكبر من الرجال. يعاني 711,000 أميركي اليوم من ألم العضلات الرّوماتيزمي، كما أنّ خطر إصابة النساء بهذه الأوجاع خلال حياتهنّ يبلغ 2.43% مقابل 1.66% لدى الرجال. شأنه شأن كافّة أنواع التهابات المفاصل الأخرى، لا تزال أسباب روماتيزم العضلات في المسنّين مجهولة، لكنّ بعض النظريات تشير إلى احتمال أن يكون للعوامل البيئية دورًا لأن معدّلات الإصابة به تختلف باختلاف البلاد والمناطق.
بالرغم من تصنيف ألم العضلات الروماتيزمي كواحدٍ من التهابات المفاصل، إلا أنّه لا يعدّ واحداً منهم لأنّه لا يسبّب التهاباً أو تلفاً في المفصل، بل يطال الأربطة والأغشية والأوتار المحيطة بالمفاصل، خصوصاً مفاصل الورك والكتف والرقبة. وكما توحي كلمة “myalgia” التي تعني “ألم في العضل”، لا يسبب روماتيزم العضلات في المسنّين التهاباً في العضلات بل آلاماً في عددٍ منها ومن هنا البادئة “poly” ومفادها عضلات “متعدّدة”.
يعدّ روماتيزم العضلات في المسنّين خطرًا لارتباطه بالتهابات أوعية الدماغ. 40% إلى 60% من المرضى المصابين بالتهاب أوعية الدماغ يعانون أيضاً من ألم العضلات الروماتيزمي في حين أن 16% إلى 21% ممن لديهم الروماتيزم في العضلات يعانون من التهابات في الأوعية الدماغية والتي يمكن أن تسبّب جلطات وفقدان في البصر ولهذا ينبغي اعتبارهم من الحالات الطبيّة الطارئة.
على عكس التهابات المفاصل الفعلية، ما من فحصٍ لتشخيص روماتيزم العضلات في المسنّين، فالتشخيص عادةً ما يكون سريرياً ويعتمد على المعايير التالية: 1) أن يكون المريض تجاوز الخمسين من العمر، 2) استمرارية العوارض من أسبوعين إلى شهرين، 3) أوجاع في الرأس والرقبة والكتف والورك، 4) تيبّس في الجسم لمدّة 30 إلى 60 دقيقة عند الصباح، 5) بعض الحرارة وشعور بالكآبة ونقصٌ بالوزن 6) ارتفاع مؤشرات الالتهاب كسرعة ترسّب الكريات الحمر ونشاط البروتين المتفاعل C، و7) تجاوب ملحوظ مع الكورتيزون وهو أحد أكثر العلاجات فعالية حتى اليوم.
عادة ًما تكون جرعة الكورتيزون أخفّ والتجاوب أكبر في حال لم يترافق روماتيزم العضلات في المسنّين مع التهابات في الأوعية الدماغية ويكون العكس صحيحاً عندما يكون لدى المريض التهاباً في الأوعية الدموية. وفي كلا الحالتين، يطول العلاج لمدة سنة أو سنتين في العديد من الحالات. وخلافاً لالتهابات المفاصل أيضاً، روماتيزم العضلات في المسنّين قابلٌ للشفاء ويتوقّف المرضى عن تناول الكورتيزون في نهاية المطاف. لكن من غير الغريب رؤية 50% من المرضى يتعرّضون للانتكاسات خصوصاً لدى النساء اللواتي تمّت معالجتهنّ لمدّة قصيرة وبجرعات خفيفةٍ من الكورتيزون.
يترتّب عن علاج الكورتيزون المطوّل آثاراً سلبية منها الحرقة في المعدة والماء البيضاء في العين، وبروز الكدمات بشكلٍ سريع، ترقّق سماكة الجلد، وهشاشة العظم وزيادة الوزن وداء السكري وارتفاع نسبة الدهون في الدم والالتهابات وتضرر العضلات والأعصاب. للحدّ من هذه الآثار السلبية، يتم استخدام بعض الأدوية بدل الكورتيزون كالميتوتريكسات (methotrexate) على سبيل المثال، لكنّ نتائجها تبقى محدودة وغير فعّالة. حالياً ما من دواء مثالي لاستبدال الكورتيزون في العلاج أما الأدوية المساعدة الأخرى التي تستخدم في التهابات المفاصل كالأسبيرين والآيبوبروفين والنابروكسين فهي تبقى غير كافية إذا ما استخدمت وحدها.
غالباً ما يتمّ الخلط بين روماتيزم العضلات في المسنّين والتهاب المفاصل الروماتويدي. 2% من أصل 30% من المرضى الذين يتمّ تشخيصهم في البدء بروماتيزم العضلات يتمّ تصنيفهم لاحقاً وبعد المزيد من المتابعة الطبية كمرضى التهاب المفاصل الروماتويدي. مفتاح اللغز لحلّ هذا اللغط يكون في تلف المفصل الذي يكون غالباً في حالات التهاب المفاصل الروماتويدي لكن غائباً لدى مرضى روماتيزم العضلات. للأسف لا يبدو أن الأدوية المستخدمة حالياً في علاج التهاب المفاصل الروماتويدي تنفع روماتيزم العضلات في المسنّين.
على الرغم من خطورته، يعدّ روماتيزم العضلات في المسنّين مرضاً قابلاً للشفاء كما ينبغي معالجته بمساعدة أطباء متمرّسين قادرين على تحديد كمية الكورتيزون اللازمة، ومدّة العلاج، والتوقيت اللازم للتخفيف من حقنات الكورتيزون وكيفية حماية المرضى من آثار الكورتيزون السلبية. ينبغي على كل من هو فوق الخمسين ويعاني من آلام جديدة في الرقبة والرأس والكتف والورك يرافقها شعور بالتيبّس أن يراجع الطبيب في حال استمرار العوارض بعد العلاجات المعتادة.
ينبغي اعتبار الظهور المباغت لأوجاع الرأس المترافقة مع ضعف في النظر لدى المسنين من الحالات الطبية الطارئة ومن الضروري التحقيق فيها مباشرةً لأنها قد تشير إلى وجود التهابات في الأوعية الدماغية. إن التأخير في تشخيص روماتيزم العضلات في المسنّين ليس خطراً بحدّ ذاته، لكنّ التأخير في تشخيص التهاب الأوعية الدماغية قد يؤدي إلى جلطات وفقدان للنظر وحتى إلى الموت أحياناً. لذلك، وبما أنّ روماتيزم العضلات في المسنّين يترافق غالباً مع التهابٍ في الأوعية الدماغية ومع التهاب المفاصل الروماتويدي في مرحلةٍ متأخّرة، من المحبّذ عدم المماطلة في التشخيص والعلاج.
اترك تعليقا