ميشال نوفل - طريقك إلى الصحة النفسية

بدأ مفهوم الصحة النفسية بإحراز انتشار ملحوظ في لبنان وبات الناس أكثر وعياً لأهمية تحقيق السلامة النفسية.

على خلاف طريقة التحليل النفسي التي تعالج اللا وعي، يعتبر العلاج المعرفي الإدراكي أن الأفكار هي التي تتحكّم بالمشاعر البشرية، فيمكن للمرء على سبيل المثال أن يشعر بالقلق نتيجة تصوره لوجود خطر ما، لكن تصحيح سوء تصوره هذا هو في صلب العلاج المعرفي.

كثيرةٌ هي الأفكار المغلوطة المحيطة بعلم النفس وطرق مزاولته ولا يزال المجتمع بعيداً عن تقبلّه كعلم مستقل شأنه شأن الفيزياء والرياضيات. والواقع أن علم النفس ليس ضرباً بالرمل، فعالم النفس أو المعالج يحتاج إلى الأدلة قبل القيام بأي تشخيص.

من الممكن تطبيق العلاج المعرفي على كافة الأمراض النفسية، لكنّه يعدّ الأكثر فعاليةً لدى معالجة أمراض الوسواس القهري، وأمراض القلق والرهاب. انفصام الشخصية، في المقابل، يتجاوب مع العلاج الطبي بشكلٍ أفضل من العلاج لنفسي، نظراً لكونه اختلالاً وظيفياً بيولوجياً. إن الاضطرابات الخطيرة والمعقدّة نادرةٌ إجمالاً، ودخول عيادة الطبيب النفسي لا يعني حكماً حالةً مستعصية. في الواقع، مرض الوسواس القهري، والاكتئاب، ونوبات الذعر هي أكثر الاضطرابات التي يرغب المرضى تخطيها بمساعدة اختصاصي في هذا المجال.

في السنوات القليلة الماضية، بدأ الناس يتفهمون ويتقبلّون ضرورة اللجوء إلى مساعدة اختصاصي نفسي عند الحاجة، والواقع أن استشارة الأطباء النفسيين ليست بغريبةٍ على اللبنانيين بالتحديد، لكنهم باتوا أكثر ميلاً اليوم على البوح بذلك ومناقشته في العلن، وباتت واضحةً حاجة السكان في هذا البلد وفي المنطقة عموماً إلى اختصاصيين وعلماء نفسيين لدراسة انفعالاتهم والنخراط في حوارات واضحة وصريحة تهدف إلى تخفيف اضطراباتهم وتحريرهم من أعبائهم النفسية.

يتراوح متوسط عمرالمرضى الذين يلجأون للاستشارة النفسية بين 25 و 35، وتشكّل النساء الثلثين فيما بينهم. أما مرضى الوسواس القهري الحاد فيشكلون الحالات الأصعب نتيجة حذرهم الشديد وعدم مرونتهم وحاجتهم المطلقة إلى الإمساك بزمام الأمور.

لحسن الحظ، خطا لبنان خطوات كبيرة في مجال التوعية حول أهمية الصحة النفسية، لكن لا يزال من الصعب الوصول إلى كافة الشرائح ونقل هذه الرسالة في أوساط الجماعات المهمشة التي تأتي من خلفيات أقل حظاً اجتماعياً واقتصادياً.

يشكّل النقص في الكفاءات المهنية في هذا المجال عائقاً آخر في وجه تطوّر علم النفس في لبنان، وعلى المرضى التأكّد من أن الاختصاصي الذي يعالجهم لديه ما يلزم من الخبرة والكفاءة. لسوء الحظ، لا يوجد في لبنان نقابة ترعى علماء النفس في لبنان كي تحدّد من يملك المعايير اللازمة لممارسة العلاج أو عدمها.

في المقابل، نرى اهتماماً زائداً في المدارس والجامعات بموضوع الصحة النفسية، فمن الضروري أن يكون متاحاً في الأوساط الطلابية فريقٌ متخصصٌ يحرص على تزويد الأولاد والمراهقين بالدعم والتوجيه اللازمين في هذا الإطار. فالمصابون بنقص في الانتباه، على سبيل المثال، قد تهتز ثقتهم بأنفسهم ويعانون من القلق ويسجلون أداءً دراسياً رديئاً ما لم يتلقوا العلاج النفسي اللازم، الذي يخفض من الآثار السلبية لهذا الاضطراب ويمهّد الطريق للنمو والتقدم بشكلٍ أفضل. 

اترك تعليقا