اللبنانيون أفضل مما يظنّون!

لنعود الى المنبع، الى أيام كان لنا فيها مدرسة على ضفاف تلك الأنهر (حين كان هناك أنهر)، في العام 3000 قبل المسيح حين كان لدينا أرشيف ونظام ملكية وعقود وقوانين من سومر الى أوغاريت إلى بابل، ولنسأل ماذا حدث؟ وكيف انتظرنا قدوم الإرساليات ليكون لنا مدرسة منظّمة في القرن التاسع عشر؟ وكيف انتظرنا لذلك القرن لنرى طالبات يذهبن الى مدرسة؟ وكيف نعيش اليوم في بلد يموت فيه مريض على باب مستشفى لأنه فقير ولا ضمان صحي له؟ وفي مجتمع طموح شبابه الهجرة؟ ومع ذلك هل نحن في خراب لا عمار بعده؟ لنقرأ ما كتبه جبران خلال الحرب العالمية الأولى، ونحن نعيش اليوم مئويتها:

"مات أهلي على الصليب.‏

ماتوا وأكفهم ممدودة نحو الشرق والغرب وعيونهم محدقة إلى سواد الفضاء.‏

ماتوا صامتين لأن آذان البشرية قد أغلقت دون صراخهم.‏

ماتوا لأنهم لم يحبوا أعداءهم كالجبناء، ولم يكرهوا محبيهم كالجاحدين.‏

ماتوا لأنهم لم يكونوا مجرمين.‏

ماتوا لأنهم لم يظلموا الظالمين.‏

ماتوا لأنهم كانوا مسالمين.‏

ماتوا جوعاً في الأرض التي تدر لبناً وعسلاً".‏

أين نحن من تلك الحالة وكيف نتجنبها؟ لدينا الإمكانيات والفرص والاستعداد فلماذا اليأس؟ هناك قصص نجاح، لا يتكلم الاعلام عنها فهو مشغول بتغطية أخبار السياسيين والفنانات، لكنّنا نعرفها حين ننظر إليها. "أم شريف" ليست زلمة أحد. نردد "نحن اللبنانيي غير شكل"، فنفخر بما ليس لنا ثم يصيبنا الإحباط فنقول:" ما نحنا كل عمرنا هيك." والواقع يقول لنا إننا لسنا بهذه العظمة ولا بذاك الإنحطاط. لسنا بالسوء الذي نظن ولكن مشوارنا في فهم تاريخنا والذات لم يبدأ بعد. لنتعلم من جنوب افريقيا وكيف استطاعت أن تحقّق التلاحم، لا التعايش، عبر حلقات الإعتراف والغفران. إن فينا الكثير من الخير الذي لا نعرف. ففي وسط هذا الجحيم، وغياب الدولة وخدماتها من كهرباء وماء وتعليم رسمي ونقل عام وعدم تطبيق القانون، تدبّرنا أمورنا والتزمنا بأعراف وقيم اخترنا طوعًا تطبيقها على ذواتنا. فالسرقة، على سبيل المثال، أقلها من دول عديدة رغم التفلت الأمني والواسطات. تخيّلوا مخالفات السير في لندن أو باريس، لو انقطعت الكهرباء وغابت الشرطة وإشارات السير. لقد تكيّفنا واعتمدنا نظاماً ذاتياً في غياب النظام العام.

ولكن الجيل الجديد والقديم ينشدان التغيير لا التكيف. فلنقرأ إذًا تاريخنا بالوثائق والوقائع فلا نراه نتاج أعمال قديسين وشياطين أو أبطال وحرامية. ولنتذكّر أخيرًا، إن أردنا فعلاً التغيير وبناء الوطن، أنّ التبعية للزعماء وللطوائف لم تجلب إلا الكوارث. وفي هذا السياق يقول أفلاطون: "إنّ العقوبة الأشدّ لعدم القيادة هو أن تقاد من قبل من هم دونك."

جواد نديم عدره

اترك تعليقا