مي زيادة : نشوء وإرتقاء المثقّفة الحرّة - سليم مجاعص

يستعين مجاعص بالعديد من المراجع لتقديم إثبات حسي يدحض الافتراض القائل إن زيادة لم تتناول قط المسائل السياسية، فيمعن النظر والتفتيش في رسائلها ومقالاتها وخطاباتها لفهم موقفها من القومية ومن كل من مصر وسوريا. ويذكر الكتاب حديث زيادة في أكثر من مناسبة عن الأرض المعزولة وعن البحث عن الهوية واصفاً أفكارها المتقدة المدافعة عن الثورة السورية في وجه الفرنسيين وانتقادها اللاذع لسياسات جنرالات فرنسا ناقلاً عنها قولها: “يظنون أن سوريا صورة مصغرة عن فرنسا عوضاً عن إجراء دراسة حقيقية عن طبيعة هذا البلد”.

كانت مي زيادة تؤيد القومية العصرية إلا أنها كانت تميل في بعض مقالاتها إلى تفضيل التناغم والتآلف في العلاقات بين الطوائف على القومية العلمانية الحدّة. على سبيل المثال، برز تناقضٌ واضحٌ إبان الثورة السورية الكبرى بين ندائها إلى المجتمع الدرزي ونظرتها القومية الاعتيادية، ويعزو مجاعص ذلك إلى ندائها الإنساني الداعي إلى رفض العنف. ويبدو تقاربها من الفكر القومي أكثر وضوحاً في رفضها لبناء لبنان على أساس طائفي. أما هويتها السورية فقد كانت، على غرار العديد من كتّاب عصرها، جليةً في العديد من كتاباتها. خلال تواجدها في مصر، كانت زيادة تصنف نفسها دوماً كسورية قادمة من الموطن سوريا ولما لاحظت بدء انطلاقة القومية المصرية، بدأت تشير كتاباتها إلى أواصر الصداقة بين مصر وسوريا.

إن السنوات الطويلة التي قضتها مي زيادة في مصر وارتباطها الوثيق بالمجتمع السوري هناك لم يمنعاها من الخوض في مسائل القومية المصرية المتصاعدة فأقدمت على اقتراح تعديلات مفهومية على شعارات الحركة القومية المصرية نذكر منها انتقادها للعبارة الشهيرة “مصر للمصريين” ففضلت استبدالها بعبارة “مصر المصرية”. ومن الممكن مقارنة أسلوبها هذا بمقاربة أنطون سعادة حين دعا إلى إصلاح شعار “سوريا للسوريين”.

ويسدل مجاعص من خلال بحثه الدقيق الستار عن حقائق مدهشة حول علاقة زيادة بجبران خليل جبران، فيكشف عن جانب من زيادة لم يكن شديد التأثر بأعمال جبران، علماً أن الكثيرين كانوا يعتقدون مغالطةً بوجود رابط عاطفي وثيق بينهما. ففي حين أثنت زيادة على تحول جبران إلى اللغة الانكليزية معتبرةً أن هذا التغيير ساعد جوهر أعماله على بلوغ النضوج الكامل، إلا أنها لم تتوانَ عن انتقاد الأنانية التي طبعت آخر أعماله والتساؤل لماذا لم يذكر جبران يوماً الكتاب الذين شكلوا مصدر إلهام لديه. كما تنتقد كتابي “النبي” و“يسوع ابن الانسان” لافتة الانتباه إلى أن الكتابين انطويا على صوت شخصية واحدة. يقدم مجاعص تحليلاً دقيقاً للعلاقة العاطفية للأديبين ويحاول تصويب كافة الانطباعات المغلوطة التي تعتري الكتابات السابقة التي تناولت مي وتلك العلاقة.

وهنا يبرز التباين مع فصل سابق في الكتاب يتناول علاقة مي بيعقوب صروف فيصف رابطاً أقوى يرتكز على اهتمامات فكرية وخيارات مشتركة، فهي كانت شديدة التأثر والإعجاب بأفكار صروف وموقفه من المرأة، الأمر الذي يسهب صروف في تأكيده من خلال النص التأبيني الذي كتبته زيادة لدى وفاة صروف.

يتناول هذا الكتاب موضوعات أخرى منها احتكاك مي بالثقافات الغربية ودورها في رسم مرحلة جديدة في حياة المرأة العربية المثقفة الحاضرة في مجالات الثقافة والأدب والحياة العامة. إن تسلسل النمو الفكري لهذه الأديبة في فصول منظمة ومتعاقبة من شأنه طرح مقدمة مفصلة وشاملة عن حياة زيادة لقراء المرة الأولى وتقديم تحليل معمق عن فكرها لكل من يرغب بتوسيع بحثه وآفاق اطلاعه. 

اترك تعليقا