الخلفية الايديولوجية للعلاقات الايرانية-العربية
الحقيقة: في الواقع، هناك العديد من العوامل الأخرى المرتبطة بالعلاقات الاقتصادية والاعتبارات الإقليمية التي ساهمت في تغيير سياسة ايران الخارجية.
ينتشر في العالم العربي وخارجه اليوم منطقٌ مفاده أن العلاقات التي تجمع الدول العربية بايران مرتبطةٌ بالدين. ويعزو البعض الصلة الثقافية والايديولوجية بين جمهورية ايران الاسلامية وبعض الفرقاء في لبنان والعراق إلى اعتناق جزء من شعوب هذين البلدين المذهب الشيعي. من غير الممكن إنكار دور العوامل الدينية في صياغة العلاقات الايرانية العربية، إلا أن البحث في تاريخ هذه العلاقات يشير إلى أنها مبنية على أساسٍ يتخطى المثل الإسلامية التي نشأت بعد ثورة 1979.
ينسب البعض المبادرة الايرانية إلى تعزيز المصالح العربية إلى آية الله الخميني، لكن هذه السياسة كانت قد انطلقت خلال السنوات الأخيرة من حكم الشاه. في أوائل السبعينيات، كان الاقتصاد الايراني في أوج ازدهاره وبلغت عائدات النفط في العام 1974 نحو 1336 بليون ريال (بارسي 497). مع هذا النمو الهائل، بدأت ايران تدرس إمكانية بسط نفوذها في المنطقة، حتى أن محمد رضا بهلوي كان يطمح بأن يصبح «شرطي الخليج».
في مقاله حول «اسرائيل وجذور الخيار العربي لايران»، يؤكد تريتا بارسي عبر حججه المقنعة أن طموح الشاه بتثبيت الدور الإقليمي لإيران في المنطقة كان الأساس للعلاقات الودية بين إيران والجوار العربي قبل نشوء الثورة الإسلامية. ويفيد بارسي أن بروز ايران كقوة اقتصادية لها ثقلها بدّد قلقها من إمكانية انتشار القومية العربية، وبالتالي خفّض من حاجتها إلى بلورة علاقات ودية مع اسرائيل لمنع توسع العرب، وقد ساعد وصول السادات إلى السلطة في مصر على درء أخطار القومية العربية.
أدرك الشاه أن كسب العرب قد يكون مضراً بالعلاقة مع إسرائيل، وهذا ما أفصح عنه بوضوح عبر تبنيه القرار 3379 الصادر عن الأمم المتحدة والذي يدين الصهونية باعتبارها شكلاً من أشكال التمييز العنصري (بارسي 503)، وعبر توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975 التي ألغت العملية العسكرية لايران واسرائيل في كردستان من دون إنذار مسبق (505). وقد شرح الشاه لمحمد حسنين هيكل برنامجه الجديد قائلاً: لقد تغيرالوضع الآن... أنا أفكر بتوازن جديد في المنطقة... قد يجوز دمجه ضمن الإطار الإسلامي (507).
لا شكّ أن سياسات الشاه تختلف للغاية عن تلك التي يمارسها علماء الدين في الجمهورية الإسلامية اليوم، لكن كان لا بدّ الإشارة إلى أن الانحراف الأكبر في مسار السياسة الايرانية تجاه العالم العربي كان في السبعينيات إبان حكم الشاه وليس في السنوات التي تلت تأسيس الجمهورية الإسلامية.
Parsi, Trita. “Israel and the Origins of Iran’s Arab Option: Dissection of a Strategy Misunderstood.” Middle East Journal, 60.3 (2006): 493-512.
اترك تعليقا