أنطوان بطرس - هل الموت وهم ؟ (2)
من هذه التجارب المحيرة، التي تقع ضمن إطار نظرية ميكانيكا الكم، الظواهر العلمية المحيرة كـ «تجربة الثلمين». فحينما يراقب العلماء جسيما ضوئيا وهو يمر عبر ثلمين فتحا في حاجز منصوب أمام قاذف ضوئي، تتصرف الجسيمات كما لو أنها رصاصة مرّت عبر ثلم واحد. ولكن لو أننا أعدنا التجربة في غياب من يراقب التجربة فستتصرّف الجسيمات كما لو أنها موجات وسوف تمر عبر الثلمين كلاهما في وقت واحد. ومعنى ذلك أن الجسيمات تبدل تصرفها اعتمادا على ما إذا كنا نراقبها أم لا. ومعنى ذلك أن الحقيقة والواقع يرتبطان بظاهرة الوعي، وبالتالي فإن إسهامنا في جوهر الحدث يؤثر في النتيجة. كيف يحصل وبأي منطق لا نعرف.
من التجارب الأخرى ما لاحظه العالم الفيزيائي الفيلسوف هايزنبرج من أنه يستحيل على العلم أن يتنبأ بموقع جسيم ما وسرعته في وقت من الأوقات في آن معا. إنه بالإمكان معرفة إما موقع الجسيم أو مساره ولا يمكن معرفة كليهما معا. هذه النتيجة أدت إلى رفض الحتمية العلمية التي يقدسها العلماء ويعتبرونها أساس العلم الحقيقي وتم بنتيجة ذلك تكريس «مبدأ الارتياب» principle of uncertainty كحقيقة من حقائق العلم. ومن الظواهر المحيرة الأخرى وصل زوجين من الجسيمات المتشابكة بصورة فورية وهما على طرفين متعاكسين من المجرة، وقد فسر لا نزا ( انظر العدد السايق) أن المكان والزمان مجرد تصورين من ابتكار عقولنا مناقضا بذلك نظرية النسبية التي تعتبر الزمان - المكان البعد الرابع في الكون. وقد علق العالم الفيزيائي هنري ستاب(Henry Stapp) من مختبرات لورنس ببركلي، على هذه التجارب المحيرة بقوله «إن هناك حدودا جديدة قد رسمت للتجارب العلمية حول طبيعة المادة لأن نتائج التجارب تتأثر، على ما يبدو، بما يحصل في مكان آخر من الكون».
ولا تنتهي رحلة العجائب مع ميكانيكا الكم. فقد تبين للعلماء في سلسلة تجارب قاموا بها عام 2002 أن الفوتونات، عرفت مسبقا ما الذي ستقوم به مستقبلا شقيقاتها النائيات . فقد تركوا فوتونا يكمل رحلته وكان عليه أن يختار ما إذا كان سيتصرف كموجة أو جسيم. ثم عمدوا إلى تمديد المسافة التي يحتاج اليها الفوتون الثاني للوصول الى جهاز القياس وأضافوا جهاز تشويش ليمنع الفوتون الثاني من التصرف كجسيم. وكانت المفاجأة أن الجسيم الأول بدّل مسبقا اتجاهه وبصورة فورية قبل حصول اي تغيير لدى الجسيم الثاني بالرغم من طول المسافة وهي لا متناهية. ولا يمكن العلماء الا أن يستنتجوا بأن عقولنا وما تملكه من معلومات هي العامل الوحيد الذي يقرر كيف تتصرف الجسيمات رغم ما في هذا الاستنتاج من غرابة مطلقة.
من أبرز مقولات ميكانيكا الكم نظرية «الكون المتعدد» فهي ترى أن هناك عددا غير محدود من الأكوان وأن كل شيء يمكن حدوثه إنما يحصل في واحد منها. وتبعا لذلك وبحسب لانزا فأن الموت لا يحصل بالمعنى الحقيقي بل الانتقالي، إذ لا إمكان لوجود الموت في عالم لا زمن فيه ولا مكان. والخلود لا يعني بقاء دائما عبر الزمن بل اقامة خارج الزمن كليا. كالزهرة التي تعود إلى الإزدهار مرة تلو المرة إنما في كون متعدد. وجميع الاكوان الممكنة تتواجد بالتزامن بغض النظر عما يحدث في إحداها.
حينما توفي أحد أصدقاء آينشتاين علق العالم الكبير بقوله «لقد بارح صديقنا «بيسو» هذه الدنيا العجيبة قبلي بقليل، ولكن ذلك لا يعني شيئا. الناس أمثالنا يعلمون أن التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل ليس سوى ظاهرة وهمية مصرة على الاستمرار».
أولا يعني ذلك عدم وجود نهاية؟
لمن شاء المزيد عن هذه الظاهرة نقترح العودة إلى كتاب
What Happens When You Die? لمؤلفه الطبيب العالم Sam Parnia الذي يصف ملاحظات أدلى بها أناس أعلنت وفاتهم لفترات ثم عادوا إلى الحياة.
السؤال من يستطيع أن يقنع الناس أن الموت لا وجود له وهم يرونه كل يوم صباحا وظهرا و مساء في بيوتهم وأحيائهم يدق أبوابهم ويختار بين ذويهم وأقرباءهم وأصدقائهم. هل نحن امام موت ظاهري وخلود ضمني؟. ما الصلة بين ما تحت التراب وفوقه ؟، فهل يكون الموت حالة كيانية ام مرحلة شكلية ؟
اترك تعليقا