حنّا سعادة - العدوى الصامتة

لكن حين تتمكّن هذه البكتيريا الصديقة من ولوج فسحاتنا الداخلية، فإنها تسبب عدوى مؤذية. فتنشق بكتيريا الفم على سبيل المثال باتجاه الرئتين يسبب التهاباً رئوياً، وتسرّب بكتيريا البشرة عند الإصابة بجرح إلى الأنسجة الداخلية يؤدي إلى التهاب الجرح، أما انتقال بكتيريا الإحليل نحو المثانة خلال الجماع أو ممارسة بعض النشاطات الجنسية الأخرى، فينتج عنه التهاب في البول. تساعد عمليتا المضغ والتغوط على إدخال البكتيريا إلى مجرى الدم، لكنها سرعان ما تزول بفضل الآليات الدفاعية لجهاز المناعة. في بعض الحالات، تتمكن هذه البكتيريا من تخطي جهاز المناعة فينتج عن ذلك التهابٌ في صمامات القلب أو خراجات في الكبد أو الدماغ أو المفاصل أو أماكن أخرى.

على خلاف البكتيريا المقيمة التي تساهم في حمايتنا، غالباً ما نكتسب عدوى صامتة تداهمنا على حين غرّة. في ما يلي مجموعة من أشكال العدوى الصامتة الأكثر شيوعاً:

فيروس الجدري الذي يصيبنا ونحن أطفال ويبقى راقداً لسنوات داخل أعصابنا ليعود وينقض علينا على شكل قوباء منطقية بعد فترة من الزمن. شأنهما شأن فيروس الجدري، يعود فيروسا الحلأ (داء جلدي) ومرض وحيدات النواة المعدي ليظهرا في مراحل لاحقة فيسببان بثور الحمى وبعض السرطانات كالأورام اللنفاوية واللحمية. يمكن لفيروس السيدا أيضاً أن يرقد ساكناً لمدة طويلة قبل أن تظهر عوارضه، كما هي الحال مع فيروسي الكلب وجنون البقر اللذين يسببا الخرف.

فيروسات التهاب الكبد (ب و س) هي أيضاً صامتة في أغلب الأحيان ولا تبين أية عوارض إلا بعد مرور عدة سنوات وما من مبالغة في التقديرات التي أشارت إلى أن 3% إلى 5% من الأشخاص الذين ولدوا بين 1945 و1965 قد أصيبوا بهذ الفيروسات نتيجة لدخول البكتيريا مجرى الدم وعدم قدرة جهاز المناعة على إزالتها، مما يجعل الفيروسات الكبدية مزمنة ويؤدي إلى تليف أو سرطان الكبد بعد سنوات من الصمت. من الممكن معالجة هذه الفيروسات، ولذلك، من الضروري الكشف عنها لدى الأشخاص المولودين بين 1945 و 1965 ولدى كل من يعاني من تعبٍ غير مبرر أو مشاكل في فحوصات الدم.

عدوى السل من العداوى الأكثر شيوعاً وحينما تتسلل بكتيريا السل إلى الجسم، لا تغادره إلا بعد تلقي العلاج اللازم. في حال عدم المعالجة، تحيا البكتيريا بصمت داخل خلايا المناعة وينشط في حالةٍ إلى ثلاث من أصل مئة. يساعد الفحص الجلدي على معرفة ما إذا كان المرض ناشطاً داخل الجسم، والواقع أن معالجته وهو خامد أسهل من معالجته بعد أن ينتشر ويتوسع ليسبب التهاباتٍ في الرئة والعنق والعظم والدماغ وغيرها.

قد يكمن داء الزهري أو السفلس في جسم المرء لسنوات قبل أن يؤدي إلى الخرف. قد تحيا البكتيريا فترةً طويلة بعد عملية في العظم قبل أن تتمكن من تسبيب الالتهابات. من جهة أخرى، يستحيل الشفاء من التهاب البروستات بالرغم من أنه قد لا يسبب أي التهابات في البول إلا مرة كل بضع سنوات. كذلك الأمر، قد تستوطن المِطَثيّة العسيرة (C. diff.) قي القولون وقتاً طويلاً قبل أن تؤدي إلى التهابه، شأنها شأن البكتيريا الحلزونية (H. pylori) التي تبقى في المعدة لعقودٍ أحياناً من دون تسبيب القرحة أو سرطانات المعدة.

لدى النساء اللواتي بلغن سن اليأس، غالباً ما تخفي المثانة البولية التهابات صامتة، يتم اكتشافها بالصدفة عن طريق فحوصات البول التي تعدّ جزءاً من الفحص الطبي الروتيني. لطالما كان النقاش مرتكزاً حول ما إذا كان من المفيد أو غير المفيد معالجة هذه الالتهابات إلا أن الأطباء خلصوا مؤخراً إلى أنه من الأجدى تركها بحالها لأن العلاج أخفق في منعها من الظهور مجدداً. لكن الأطباء ارتأوا ضرورة اللجوء إلى العلاج في حالات اللهيب أو حين تكون الااتهابات متكررةً وملحة.

درس عددٌ من الباحثين في فلورنسا في ايطاليا التهابات البول الخامدة لدى عدد من الشابات الناشطات جنسياً وخلصوا إلى نتائج مدهشة. أولاً، 3% إلى 5% من الشابات يعانين من التهابات صامتة في البول تماماً كالنساء الأكبر سناً. ثانياً، إن عدم معالجة هذه الالتهابات ساهم في الحماية من التأثيرات العرضية، أما ثالثاً فإن معالجة هذه الالتهابات قد تلاها مجموعة متكررة من الالتهابات العرضية الأخرى.

استنتج الباحثون أنه لا ينبغي معالجة الالتهابات الصامتة لدى أي من النساء لأن العلاج قد يحولها إلى التهابات عرضية تسبب اللهيب وتحصل بشكل متكرّرٍ وملح، ولا يكون الاستثناء لهذه القاعدة إلا في حالة النساء الحبالى أو من هنّ بحاجة لجراحة في المسالك البولية. باتت معالجة الالتهابات البولية الصامتة في خانة الأمور المضرّة لأن هذه الالتهابات تتولى نفس مهمة البكتيريا المقيمة فتحمي النساء من البكتيريا الضارة التي قد تجتاح المثانة البولية وتسبب التهابات عرضية.

www.hannasaadah.com - www.information-international.com - hannasaadah@hotmail.com

اترك تعليقا