سعيد شعيا - بين الثورة الفرنسية عام1789 وما يعرف بالثورات العربية اليوم. أين الحلقة المفقودة(2)

لسوء الحظ، ما يحصل اليوم ليس تمرّداً ولا ثورة، ولا حتى ثورة قيد الاختمار. سبب ذلك، باعتقادي، وبكلّ بساطة، هو افتقار الحركات التي نشهدها إلى عاملٍ أساسيٍّ وهو علاقتها بالدين وبالتحديد تشكيكها فيه وبالدور المناط به في المجتمع الحديث وفي الأجهزة التي تتولّى إدارة الدولة الديموقراطيّة. من هنا، لا بدّ لنا من التوقّف عند إشكالية العلمانية والإشارة قبل كلّ شيء إلى أنّ العلمانية لا يفترض بها أن تروّع أحداً خصوصاً حين يتمّ فهمها بالشكل الصحيح. فهي ليست بأي شكلٍ من الأشكال نبذاً للدين الذي يندرج تحت المفهوم اليوتوبي تماماً كرسوخ فكرة سمو الانسان في العقل البشري. ينظر الإنسان المستقيم دوماً إلى ما هو في الجانب الآخر أي إلى السلام والسكون. ينبغي النظر إلى العلمانية على أنّها أكثر احتراماً لديانة الآخر ومعتقداته، التي وبأي حالٍ لا يجب فرضها على سواه من الناس. نحن نقصد بالعلمانية حريّة الايمان التي تساند التزامات وأعمال أي كان من دون أن تصبح هي القانون في المدينة. لكنّ المفارقة هي أنّها تصبح الضمانة لديانة الإنسان.

ولا بدّ من الإشارة، مع الاعتراف باختلاف الزمن اليوم وعدم جواز المقارنة، إلى أنّ الثورة الفرنسية كدّرت النظام القائم حينها وتمكّنت من حلّ بنية الطبقات الثلاث: الكهنة والنبلاء وعامّة الشعب، وحتى عقيدة الثوّار أخفقت حينها في حملهم على الانكفاء عن حراكهم. على الرغم من تواجد البروتستانت واليهود، كان المذهب الكاثوليكي مذهب الأغلبية في فرنسا وقد تمّ السعي إلى ترهيبه لما يشكّله من عائق دون تحسين النظام السياسي والاجتماعي. وهكذا، أجبر الكهنة على الإذعان وقسم يمين الولاء للدستور المدني، وخلال فترةٍ قصيرة، تمّ إعلان الولاء للكائن الأسمى وديانة العقل كبديل عن كافة الديانات الأخرى، ربّما في محاولة لتغليب العقل والمنطق على كل شيء. ولكن، هل كانت ديانة العقل، خياراً عاقلاً وصائبا؟

إن محاولة الإطاحة بالدين لتحويل المجتمع لم تكن يوماً القوة الدافعة للتغيير، فهي ليست إشارة كافية على التحوّل وحتماً ليست تطوراً باتجاه الحلّ المجتمعي المنشود، فإنمّا المطلوب ليس إلغاء الدين بل اتّخاذ الخطوات اللازمة باتجاه الارتقاء فوق الايديولوجيات الدينية، وهنا تكمن الحلقة المفقودة التي تحدّثنا عنها في بداية هذا المقال الشهر الفائت. هذا جلّ ما تحتاجه الحركات الثورية في العالم العربي اليوم لتمهيد الطريق أمام بناء دول خالية من أي عقيدة أو انتماء ديني.

اليوم وبعد مرور قرن على انهيار السلطنة العثمانية، لا يزال العرب في خضمّ البحث عن هوية ضائعة فقدوها مع سقوط السلطنة، هويّة استمرّت في التبدّل خلال القرن العشرين، وها هم اليوم يتأرجحون كما في عشية الحرب العالمية الأولى بين الهويّة العربية والهوية الإسلامية، بحكم زوال الهوية العثمانية. إن موقع الدين، وإن كان هوية انتقالية، أساسي ومحفوظ فهو الدعامة الأكثر متانة لإشادة أي بنية كانت. لكنّ ما نأمله، هو أن تصبح هذه الهويّة، الدينية في أساسها، حجر الزاوية التي ستتيح لكافة مكوّنات المجتمع التلاقي والتوافق لايجاد مكانها في الدولة الديموقراطية. مع قبول التنوع الديني والعرقي سيكون هناك علامة ملموسة على التغيير الحقيقي في هذا البلد، ثم وبعد ذلك فقط يمكننا أن نبدأ الحديث عن الثورة! 

اترك تعليقا