تحديث الجمارك اللبنانية ورصد الاحتياجات هو المطلوب          لا البحث عن طوائف الناجحين

قبل أربع سنوات اشتعل النقاش السياسي- الحكومي- الطائفي حول تعيين خفراء الجمارك اللبنانية، وقد حسمته حينها الحكومة في تموز 2020 باعتماد التوازن الطائفي بين المسلمين والمسيحيين على حساب الكفاءة، ما دفع بعدد من الفائزين المسلمين الذين حرموا من حقهم في الوظيفة إلى اللجوء لمجلس شورى الدولة.

وأصدر المجلس قراره في أذار 2023، والذي يقضي بإبطال قرار الحكومة والمجلس الأعلى للجمارك وتعيين مقدّمي الطعن، ونتيجة لذلك، عاد هذا الموضوع إلى محور النقاش مع اتّجاه الحكومة في جلستها يوم غد الثلاثاء في 19 أذار إلى تعيين 241 خفير جمارك من الناجحين، وجميعهم من المسلمين ما رفع من حدّة الخطاب الطائفي.

البداية

وافق مجلس الوزراء في العام 2018 على طلب المجلس الأعلى للجمارك إجراء مباراة لتطويع خفراء جمركيين في قوى البرّ والبحر والجهاز الفني. وجرت هذه المباراة وأعلنت نتائجها بتاريخ 24-4-2019.

وتبعاً لقانون الجمارك، وتحديدًا المادة 7 من القرار الرقم 83/2005، والتي تنصّ على أن يتولّى المدير العام للجمارك نشر لائحة بأسماء الناجحين بحسب ترتيب نجاحهم في المباراة، وتمّ تقديم هذه اللائحة إلى المجلس الأعلى للجمارك المولج بالبتّ في تعيينهم، بقرار يصدر عنه، وذلك ضمن حدود الملاكات وقيمة الاعتمادات المرصودة لها في الموازنة العامة، على أن يوقع عقود تطويعهم مدير الجمارك العام.

وبما أنّ المجلس الأعلى للجمارك لم يبتّ بهذا التعيين بسبب عدم توفر الإجماع بين أعضائه على اتّخاذ قرار البتّ بالتعيين، نظرًا للاختلاف حول إصدار النتائج إذ أنّ أكثرية الناجحين هم من المسلمين، وسيؤدي تعيينهم، في ظل النظام الطائفي في لبنان، إلى خلل طائفي كبير. وقد دفع هذا الأمر بالعضو المسيحي في المجلس إلى الامتناع عن التوقيع.

وتبعًا للقانون الذي ينصّ على أنّ قرارات المجلس الأعلى للجمارك تؤخذ بالإجماع، وأنّه، في حال الخلاف، ترفع القضية المختلف عليها إلى وزير المالية الذي يعرضها على مجلس الوزراء للبتّ فيها بصورة نهائية، وبناء عليه، عرضت القضية على مجلس الوزراء الذي أصدر القرار الرقم 9 تاريخ 14-7-2020 وقضى بالموافقة على تعيين الخفراء الناجحين في المباراة التي جرت بحسب ترتيب نجاحهم في المباراة، "وبشكل يراعي مقتضيات الوفاق الوطني والعيش المشترك".

الأامر الذي أدّى إلى حرمان مسلمين من حقّهم في التعيين، وإلى تعيين مسيحيين مكانهم حازوا على علامات وترتيب أدنى منهم.

 قرار مجلس شورى الدولة

بعد صدور قرار مجلس الوزراء، تقدّم عدد من الناجحين في المباراة والمتضررين من قرار الحكومة (9 أفراد) بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة في 17-9-2020، مطالبين بإبطال قرار مجلس الوزراء وقرارات المجلس الأعلى للجمارك بتعيين الخفراء الجمركيين.

وبتاريخ 23-3-2023، أصدر مجلس شورى الدولة قراره الرقم 457 بإبطال قرار الحكومة الرقم 9/2020، وكذلك قرارات المجلس الأعلى للجمارك طالبًا وجوب التقييد بتسلسل الناجحين في المباراة عند التعيين وإعلان حق المستدعي بالتعيين لأنّ المادة 95 من الدستور تنصّ على المناصفة للفئة الأولى فقط، في حين أنّ وظيفة الخفير الجمركي ليست من وظائف الفئة الأولى.

قرار الحكومة

أكدت الحكومة  في قرارها الرقم 5 تاريخ 7-9-2023 على القرار الرقم 9 مع الموافقة على تعيين المستفيدين من قرار مجلس الشورى، وعددهم 9، بالإضافة إلى جميع الخفراء الناجحين في المباراة التي أجريت لتطويع خفراء لصالح الضابطة الجمركية والذين استبعدوا نتيحة قرار مجلس الوزراء الرقم 9.

وبعد عرض الموضوع على المجلس الأعلى للجمارك في 6-2-2024، طلبت السيدة غراسيا قزي (مارونية)، وهي من أعضاء المجلس الأعلى، الاستمهال لمدّة أسبوع، لكن رئيسة المجلس الأعلى للجمارك السيدة ريما مكي (شيعيّة) وعضو المجلس السيدة وسام الغوش (سنّية) طلبتا من وزارة المالية عرض الأمر على مجلس الوزراء كما ينصّ القانون وعدم انتظار مهلة الأسبوع.

الوضع الحالي

المعروض حاليًا على مجلس الوزراء هو الموافقة على تعيين 234 خفيرًا جمركيًا نجحوا في المباراة، وجميعهم من المسلمين السنّة والشيعة، بالإضافة إلى 7 تقدموا بطلبات استرحام إذ لم يتمكّنوا في السابق من الالتحاق بدورات التنشئة العسكرية لظروف استثنائية خاصة بهم، وفقاً لما هو مبيّن في الجدول التالي.

جدول. عدد خفراء الجمارك الناجحين وطائفة كل منهم.

المصدر: جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء في 19-3-2024.

إن الاتجاه لتعيين هؤلاء أثار موجة اعتراض مسيحيّة كونهم ينتمون إلى الطوائف الإسلامية، ما يثير خللًا طائفيًا على الرغم من أنّ المادة 95 من الدستور حصرت المناصفة بوظائف الفئة الأولى دون سواها.

كما يرفضه المسيحيون أيضًا، تحت ذريعة عدم جواز التعيين في ظل الشغور الرئاسي، وهنا يبرز نقاش قانوني-سياسي ليس موضوع مقالتنا.

لقد جرى امتحان الجمارك منذ العام 2018، أي منذ نحو الستّ سنوات، والأكثرية الساحقة بين الممتحنين تتراوح أعمارهم اليوم بين 28 و31 سنة، لذا، قبل البحث عن التوزّع الطائفي، أو النقاش والجدال حول من قبل راهنًا من الأعضاء بقرار مجلس شورى الدولة ومن لم يقبل، تُطرح العديد من الأسئلة:     

هل أن جميع الـ241 ناجحًا وناجحة في المباراة لا يزالون ينتظرون هذه الوظيفة في الجمارك، أم أنّ البعض منهم قد وجد فرصة عمل أفضل أو ربما هاجر هذا الوطن أو ربما مرض؟ وماذا عن أعمارهم اليوم؟ وما هي نسبة الذكور ونسبة الإناث بينهم؟  

لا بل يجدر طرح السؤال الأكثر جدوى: ألم تتغيّر احتياجات الإدارة في الجمارك أو نظمها؟

وهل تمّ تحديث إدارة الجمارك قبل تحديد الاحتياجات البشرية والتقنية لها؟

حدّثوا هذه الإدارة أولًا، كي يتمّ البحث عن الاحتياجات الحقيقية لها ثانيًا!

اترك تعليقا