ماذا يعني أن تكون شاباً وعربياً ؟
ورد في كتاب العمدة لابن رشيق:
"قيل لبعض الحذّاق بصناعة الشعر لقد طار اسمك واشتهر فقال لأني اقللت الحق وأصبت مقاصد الكلام.." ولكن ماذا لو اقتدينا بما قاله الإمام علي: ما ترك لي الحق من صاحب؟
لا أدري لماذا الإصرار على عقد حلقات وندوات ومؤتمرات ومحاكاة بعضنا باللغة الانكليزية ونحن نتحدث عن مشاكل الشباب المفترض أنه عربي؟ ولا ادري اذا هو فعلاً كذلك؟ فهل الشباب الأكراد عرب؟ وهل الشباب البربر عرب؟ وهل الكلدان والاثوريين عرب؟ وهل سألناهم رأيهم وكيف يريدون أن ندعوهم؟ وهل الشباب العرب عرب أم لبنانيون ومغاربة وسوريون وسعوديون؟
لماذا التمسك بشعارات فضفاضة ترضي (ربما) توقنا للعلى ونحن في القعر؟ لماذا الكلام عن مشاكل الشباب فقط أو النساء فقط وليس الكلام عن مشاكل"نا"، نحن البشر القابعين في هذه البقعة من الأرض على مختلف مشاربنا واتجاهاتنا؟
أي شباب في ظل الفضائيات وتفاهة "التوك شو"؟ أي شباب في غياب الذاكرة الجماعية؟ وماذا يعني أن تكون شاباً أو عربياً في هذا الوسط الغائب عن التاريخ وعن المعرفة؟ فقدان الذاكرة أو الخرف لدى الكهول فيه عذاب ودروس وأحياناً نعمة للمصاب ولمن حوله، ولكن ان تولد كهلاً فاقد الذاكرة فهي كارثة حقيقية.
- ماذا يعني أن تكون وزيراً للعدل وعضوا أو مناصراًً للقوات اللبنانية؟
- ماذا يعني ان تكون رئيساً لمجلس النواب ورئيس حركة أمل؟
- ماذا يعني أن تكون عضواً في الاشتراكية الدولية ووزيراً للمهجّرين وزعيماً طائفياً ورئيساً للح زب التقدمي الاشتراكي؟
- ماذا يعني أن تكون رئيس وزراء تُوافقْ على قانون انتخاب تترشح على أساسه وتدعو مفتي الجمهورية ليصلي في السراي، “دفاعاً عن أهل السنة”، ثم تُنهي بخطبة وداع مترحماً على لبنان ومتأسفاً لاشتداد الطائفية فيه، مستغرباً الكراهية بين طوائفه؟ وكل ذلك ببراءة الاطفال وطبعاً بعد فوزك بالانتخابات نتيجة قانون طائفي وظروف طائفية شاركت في صنعها أو كنت صنيعتها.
- ماذا يعني ان تكون “حزب الله” و”تيار المستقبل”، وتدعو في برامجك الى انشاء الدولة المدنية وحتى العلمانية؟
- ماذا يعني أن يقول لك سائق التاكسي صاحب الفك الفارغ من الأسنان والسيارة الفارغة من البنزين: “الله يساعد السنيورة ما بيقدر ينزل سعر البنزين لانه بدو يدفع معاشات وبدو كمان يوقف بوجه الشيعة”..؟
- ماذا يعني أن تقول لك من فقدت امها قتيلة على باب المنزل ومن أُحرق أباها المُقعد مربوطاً في سريره من قبل الكتائب- (القوات اللبنانية) في العام 1976: “ سأنتخب مرشح القوات لانو حسن نصرالله هو الخطر”؟
- ماذا يعني الدفاع عن ممارسات المخابرات السورية في لبنان وإعطائها شرعية؟
- ماذا يعني الإغراق في نقد النظام اللبناني والدفاع المستميت عن النظام السوري؟
- ماذا يعني الإغراق في نقد وحتى شتم النظام السوري (هذا طبعاً في الماضي غير السحيق) وكيل المديح المتواصل للأنظمة الأخرى في الخليج ومصر والمغرب؟
- ماذا يعني أن لا تجد وسيلة إعلامية واحدة مرئية و/أو مسموعة أو مكتوبة أو على الانترنت دون تمويل من إيران أو من أنظمة عربية و/أو غربية؟
- ماذا يعني تعميم التسطيح والتجهيل والتفاهات والانشغال عما هو مصيري لدينا بالهوامش التي تعج بها وسائل الإعلام ذاتها؟
- ماذا يعني أن لا نجد مساحة للفكر الحر حتى في الجامعات؟
- ماذا يعني أن تولد شيعياً أو سنياً أو مارونياً والى اخر المعزوفة؟
- ماذا يعني أن تولد لبنانياً، سورياً، أردنياً، أو سعودياً والى اخر المعزوفة؟
- ماذا يعني أن تكون شاباً راكعاً على عتبة الزعماء لتصنع مستقبلاً لك ولعائلتك؟
- ماذا يعني أن تكون شاباً لبنانياً ولا تعرف من هو صليبا الدويهي ومصطفى فروخ وبول غيراغورسيان؟
- ماذا يعني أن يكون هناك معهداً لعصام فارس أو مدرسة لسليمان العليان أو مركزاً للوليد بن طلال ولا يكون هناك معهداً أو قاعة لخليل حاوي او سعيد تقي الدين او غريغوار حداد أو أحمد فارس الشدياق أو جبران خليل جبران؟
- ماذا يعني أن نجلس هنا لندرس حالة الشباب وتوجهاتهم، ومن يُمول دراساتنا وماذا نعمل أو يُعمل بها؟
- ماذا يعني أن يتوجه الشباب من السعودية إلى افغانستان في أوائل العام 1980 “لتحرير افغانستان” من الاتحاد السوفياتي؟ وهل توقع احد في دراسة او استطلاع ان هؤلاء الشباب سيتحولون إلى ما هم عليه مروراً بـ 11 ايلول وما قبلها وبعدها؟
- ماذا يعني أن يتوجه شباب من إيران إلى بعلبك في العام 1982؟ وهل توقع احد في دراسة أو استطلاع ان هؤلاء الشباب سيتحولون الى حزب تعتبره اسرائيل خطراً بدليل تسجيله أول معركة رابحة عليها في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية، وفقاً لها؟ وهل سهى عن خطط لذلك ان صرخة “يا أبا الحسين” ستستجلب وستستثير حكماً صرخة يا “ابا بكر” “ويا عمر” وان بوش سيهتم "شخصيًّا" بوضع "أهل السنة" في لبنان.
- ماذا يعني ان تغزو أميركا العراق في العام 2003 لتحدد وتبرز وتسعر الشرخ الشيعي السني (من جملة مفاعيل الغزو)، وهل أحاطت استطلاعاتنا ببدايات هذه المفاعيل؟
- ماذا يعني ان يتوجه شاب من صيدا الى الرياض ليعود متمولاً كبيراً ورئيساً لوزراء لبنان، ليُقتل في العام 2005 وليشكل اغتياله ظواهر ومحطات وحالات شعبية؟ وهل أحاطت استطلاعاتنا ودراساتنا بهذه الحالات؟
- ماذا يعني وضعُنا جميعاً، الشباب والشيوخ، امام ثلاث خيارات: التوجه الديني- السياسي الجهادي، التوجه الغربي- الاميركي الانسلاخي، الغربة الاجتماعية السياسية التهميشية
هذا ما تطرقنا اليه في عدة استطلاعات اجرتها “الدولية للمعلومات” منذ العام 1996. والتحدي امامنا اليوم هو ان نتمكن من قراءة التوجهات المستقبلية، ولا يمكننا فعل ذلك دون سؤال الاسئلة الصعبة وبالوضوح هذا. وللذاكرة فقط ولراسمي ومرسمي الحدود ومرددي شعارات “الشرعية الدولية”: هل كان يعلم الشباب ايام سايكس وبيكو وبلفور ان بلادهم ستقسم وان اسرائيل ستولد وان الملايين ستشرد وتقتل في فلسطين وفي لبنان وفي سوريا وفي الاردن وفي مصر والعراق في حروب عليها وبينها؟ ها هم صانعو القرار الدولي ذاتهم يأتون علينا ليقولوا لنا ما هو جيد وما هو سيء وليدرسوا حالتنا ويجربوا فينا وبنا وعلينا. ونحن كفئران تُسعد بقطعة جبنة، وإن سامة.
- ماذا يعني أن لا نجرؤ على سؤال هذه الأسئلة؟
- ماذا يعني أن تكون شاباً وسط هذا الكم الهائل من علامات الاستفهام؟
نرى شبابنا كما هو: دون ذاكرة، لا يقرأ، يسعى للهجرة ويتبع الزعيم النظام أو الحزب وفقاً للحملات السياسية والإعلامية التي يتعرض لها دون مساءلة. شباب يائس، غاضب ومهمش، لكنه عربي، ربما ولعله! فهل هذا يسعده ويرتقي به؟ فليسعده النطق إذاً، إن لم يسعده الحال!
ولنستذكر قول اوس ابن حجر: في قصيدة رثاء.
أيها النفس أجمِلي جَزَعاً ان الذي تحذرين قد وقعا
جواد نديم عدره
* قيلت في حلقة نقاش حول الشّباب العربي و استطلاعات الرّأي
اترك تعليقا