المواطن صفر (0) يصبح المواطن قاطعة (/) أو شحطة

 

سُرّ المواطن صفر لأول وهلة عندما سمع أن الوزير بارود أطلق سراح رد هيئة التشريع والاستشارات الإيجابي حول حق المواطن بشطب المذهب/الطائفة أو عدم تسجيل اسم المولود(ة) الجديد(ة) في سجل الطوائف، والذي كان محتجزاً في أدراج الوزير السابق سبع. وسُر أكثر عندما علم أن نحو 100 مواطن كانوا قد تقدموا بطلبات الشطب. ولكن فرحة هذا المواطن لم تدم طويلاً فهو مع الزمن أصبح خبيراً بدهاليز ودهاء وشراسة ومخملية وانفصاميات النظام السياسي اللبناني. ولا يعرف لماذا راحت ذاكرته إلى اليوم الذي استقبل فيه البطريرك  حويك الجنرال الفرنسي غورو الذي كان قد قَتَلَ قائد الجيش العربي (السوري) يوسف العظمة والذي عاشت ابنته ليلى وتوفت في تركيا معدمة. ولكن قد يسرها (هي أيضاً) وأحفادها اليوم أن يعلموا أن هناك تمثالاً ليوسف وشوارع ومدارس باسمه في دمشق وجميع أنحاء سوريا.

 

أما في لبنان فقد قال غورو للبطريرك حويك، ما معناه "سنبقى ندافع عن لبنان ما دمتم تريدونه وطناً"، وطبعاً تعقدون القداس على نية فرنسا. واقع الأمر أن اميل اده وحده (بين زعماء الموارنة) كان صادقاً لهذا "الحلم"، (فهو سواء أراد إرسال المسلمين إلى مكة أو لا) لم يكن يريد ضم الأقضية المسكونة بالمسلمين (شيعة وسنة) إلى جبل لبنان، كلام ردده كميل شمعون لبيغن في منزل الأخير في القدس حول غزة والضفة الغربية حتى يبقى "الوطن اليهودي" صافياً. لكن اتفاقاً ما بين زعماء الموارنة وزعماء السنة أعطى الكيان الجديد رونقاً فَشكلَ حالةً ولوهلةً رونقاً ونفَساً. كان اتفاق بين أصحاب أرض (الموارنة) ومُرابعين (السنة والأرثوذكس والدروز) أما الشيعة فلم يكونوا بعد "مواطنين".

 

طبعاً لم يتوفر لدى زعماء الموارنة وكنيستهم لا الرؤيا ولا الروح ولا القلب لبناء بلد فيه شيء من الديموقراطية والمدنية أو العلمنة. لا زواج مدني ولا حقوق مدنية. فأنت مدموغ في الولادة، في السياسة، في الزواج وفي الموت والورثة والوراثة. وإذ بالزعيم يماهي طائفته في شخصه، مصالح وإغراءات وتهديدات، فَيقتلْ ويُقتل ويُوظف ويَطردْ ولا يُغير ولا يتَغير في الأساس، ولكنه يتمظهر وفقاً للوضع. فوجوه الزعماء هي هي والقطيع قطيع، لأنه هكذا ولد وقد يبقى...

 

ترى هل كان يعلم البطريرك حويك أنه سيأتي يومٌ، وهو ليس ببعيد، لن يتعدى فيه عدد المسيحيين في لبنان البضعة مئات من الآلاف أو أقل من %10 من سكانه؟ وأن مفتي الجمهورية سيأخذ مكان البطريرك الماروني في المزايدة والتمظهر لبنانياً؟

 

وهل كان يعلم رياض الصلح أن "عدو" طائفته السنية "اللدود" سيكون طائفة صهريه، أي الشيعة؟ ها هو لبنان، كما عهدناه، ساحة صراع بين أنظمة اقليمية تستقوي بالخارج وهي عاجزة عن إدارة مقدراتها، لها أتباع في لبنان نسميهم زعماء  يتبخترون "هنا" شامخين أمام "ناسهم" خاضعين "هناك" أمام ملوكهم ورؤسائهم.

 

ألا يشكل هذا التعميم فرصة للعلمانيين ليشطبوا طوائفهم من السجل رغم الصعوبات التي ستواجههم؟ أين هو الحزب السوري القومي الاجتماعي؟ هو أيضاً غير منتبه ومركز هذه الأيام (كالعادة) على الانتخابات النيابية مختاراً مرشحيه وناخبيه على أساس طائفي؟ أين هو الحزب الشيوعي اللبناني لا يبدي حركة؟ مشغولون بخطابات عن المقاومة ومحاربة إسرائيل، ودعم "أنظمة الممانعة"؟ فلنمانع "هنا" في لبنان ونمنع الطائفة من سجلنا.

 

النظام اللبناني يقوم بتجديد ذاته مرة عبر الدم ومرة عبر "خيار الحريات"، ربما. لكنه اليوم يتحدى العلمانيين والمدنيين واللاطائفيين. الفضيحة الكبرى أن دعاة العلمنة وإلغاء الطائفية هم اليوم، في تهافتهم على الانتخابات بظل نظام القضاء والطوائف، يشكلون دعامة لنظام لبنان السياسي المُفترض أنهم معترضون عليه.

 

وبغياب"هم"، قرر المواطن صفر شطب اسم الطائفة من سجله، حيث سيضعون له (/) أي قاطعة أو شحطة وبين الـ صفر (0) والـ (/) عاش سعيداً غير واقفٍ على باب زعيم طائفي أو رجل دين متسلط. وطبعاً لن يصبح نائباً أو وزيراً ولن يتقدم بطلب وظيفة في الدولة ولا يعرف (بعد) أين سيدفن. ولأول مرة في حياته ذهب إلى الكنيسة والجامع مصلياً لأنه أصبح حراً وهكذا أحب الحياة.

 

جواد نديم عدره

اترك تعليقا