'نحن' و'هم'  مدينة الغيوم السوداء

* نشرت هذه المقالة في الشهرية العدد رقم 10 من تموز 2004 ونعاود نشرها مرة ثانية بعد انتهاء مرحلة بوش وإدارته وقدوم أوباما وإدارته.

 

كانت هناك محاولة في الحلقة السابقة (العدد رقم 8 من أيار 2004)  للإجابة عن السؤال: «أين مكامن الخطأ «فينا»؟»، أما في هذه الحلقة، فتأتي محاولة الإجابة عن السؤال: «أين مكامن الخطأ «فيهم»؟». و لعلّ الإجابة هي في الحالة الذهنية التي طرحت السؤال: -إثر 11 أيلول- «لماذا يكرهو«ننا»؟»، لتأتي الإجابات الجاهزة: لأنـ«نا» أفضل منـ«هم» ولأنـ«هم» يكرهون قيمـ«نا». باختصار، تغلب نظرية «المدينة المضيئة على التلة»** و «شعب الله المختار» على آرائهم و«مبادئهم» مؤدية بالتالي إلى تصنيف الشعوب والحضارات تبعاً للمصالح. وهكذا يأخذ «العقل الغربي-الديكارتي» إجازة ليستعير ما درجوا على تسميته «العقل العربي»، منتجاً إجابات مرَضية لأصحاب القرار، مؤدية في الوقت ذاته إلى إيقاف أية عملية نقدية تستهدف إصلاح الذات ومواجهة التحديات.


ولقد غُيبت الأسئلة العقلانية البدهية: أين أخطأ«نا» ومَن هم العرب-الأفغان؟ مَن درَّبهم؟ مَن هو صدام حسين وكيف وصل إلى السلطة؟ مَن هم الفلسطينيون وكيف شُردوا؟ لماذا تحولت منطقة عُرفت بحبها «لنا»، إلى غاضبةٍ علينا؟


إنّ هذا الإستكبار المؤدي إلى تجنب رحلة النقد الذاتي، هو المسؤول عن الحالات الثلاث الآتية:
أولها: الإستهلاك النهم الذي يتطلب مصدراً رخيصاً للطاقة مهما كان الثمن البشري والأخلاقي لدى الطرفين.


ثانيها: الصناعة العسكرية في دولة كالولايات المتحدة مثلاً، التي تنفق أكثر من 300 مليار دولار سنوياً على «دفاعها» وتُشكّل المصدر الأول للأسلحة في العالم.


ثالثها: دعم «إسرائيل» المتواصل والمطلق لدرجة يخجل منها حتى أكثر الصهيونيين تطرفاً، حيث أشار أول رئيس لـ«إسرائيل» حاييم وايزمن في مذكراته إلى «إنّ العالم سيحكم على الدولة اليهودية وفقاً لتعاملها مع العرب»، بينما يتوقع الرئيس بوش ومستشاروه ووزيرا الدفاع والخارجية من الفلسطينيين أن يعملوا لهدفٍ واحد، ألا وهو ضمان أمن «إسرائيل».


وهكذا يبدو الكلام عن الإصلاح في العالم العربي تعالياً على الآخرين وقهراً لهم، في ظلّ غياب محاولة إصلاح شاملة في الغرب - خصوصاً في المواضيع الثلاثة المبينة أعلاه. كيف يمكن للولايات المتحدة أن تستمر بالتصرف وكأنها القائد المناقبي للعالم في وقتٍ ترفض فيه توقيع اتفاقية كيوتو ومحكمة العدل الدولية، وتنسف أي مفهوم أو مصداقية لمنظمات «إنسانية» مثل الأمم المتحدة؟ وهنا يأتي السؤال هل هم «مدينة مضيئة» أم «مدينة تلفها غيوم سوداء»؟


إنّ الكلام عن «صراع الحضارات» والجدل حول «قيمنا» و«قيمهم» هو ذرّ للرماد في العيون، فكوكبنا واحد، ومشاكلنا واحدة، وإن تنوعت. ورؤيتنا للخير والشر واحدة، مهما افترقنا. لذا، نرى أنّ «الشرق» و«الغرب» مدعوان للتلاقي عبر رحلة سبر للأغوار، يتحمّل «الغرب» -الأقوى- مسؤوليتها القيادية والأخلاقية (في عودةٍ صادقة له إلى قيم الحق والخير والجمال)، ولعلنا في هذه الرحلة نكتشف كم «نحن» و«هم» واحد هنا وهناك.

 

جواد نديم عدره

 

** عبارة قديمة ومتداولة في أدبيات التاريخ الأميركي حول أميركا ودورها في العالم

اترك تعليقا