المواطن صفر في الكازينو

في لبنان احتفالات وأحزان، الجميع يحتفل لأنّ لبنان هو اليوم كما يقولون "بمنأى عن الكوارث المالية في العالم". الموالاة والمعارضة متفقتان على أنّ القطاع المصرفي والإدارة الإقتصادية (أو اللا إدارة) جنّبا لبنان الكوارث. وإذا كان هذا الموقف يبدو للوهلة الأولى وإلى حدّ ما طبيعياً من الموالاة، فترى كيف تفسّر المعارضة موقفها؟ هل من يدير لبنان اليوم اقتصادياً "بشكل جيد"، هو غير من كان يديره "بشكل سيء" لسنوات طويلة؟ هل ظَلمتْ المعارضة الحكومات الماضية أم هي تتملق اليوم تحضيراً لإعادة التموضع في حلف بين "معارضين وموالين" أشرفوا على نهب لبنان في الحرب الأهلية وبعد الطائف وحتى الآن وبعده؟

 

ولكنّ المعارضة والموالاة مختلفتان اليوم على أمر آخر وهو أوباما. قد يستوعب المرء (ومرة أخرى إلى حدّ ما) حزن الموالاة على "حليفهم" المفترض مكاين، ولكن كيف تحتفل المعارضة، والتي تمثل أو تتحالف مع أحزاب وأنظمة لا تعترف بالديموقراطية بالمطلق بنتائج انتخابات صُنعت في أميركا؟ وعودة إلى الموالاة التي "تكشف" لها اليوم أن بوش لم يكن على المستوى المطلوب ترى، أين ولاءها لحلفاء الأمس؟

 

تماماً كسلوكنا خلال لعبة كرة القدم، هذا مع ألمانيا وذاك مع البرازيل، بغياب أمرين مهمين أنّ أحدنا لا يمارس الرياضة، وليس في لبنان فريق كرة قدم فائز أو حتى متواجد. فالرياضة في لبنان امتداد للزعامات ولتفاهات الطوائف.

ترى ماذا يعنينا أن يفوز أوباما أو البرازيل؟ ما هو المقياس؟ وما هي المرجعية؟ والأفظع ترى هل يعلم أوباما أننا معه ومع البرازيل؟ وهل سيتذكر بوش في خطبة الوداع "حكومة السنيورة؟"

 

هل مدرّب البرازيل سيدرّب فريقنا؟ وهل سنشتري لاعبين أو ثلاثة من فريق البرازيل ليلعبوا في فريق لبنان غير الموجود؟ هل سنتعلم لعبة ما أو مهارة من هذا الفريق تفيدنا في المنافسة المقبلة عالمياً؟ طبعاً لا.

 نحن نفتش عن سبب للإحتفال والنكاية ولو على حسابنا.

 

هل أصابت اليقظة زعماء لبنان والعالم العربي بعد فوز أوباما، فقالوا لنسائهم وأبنائهم أنّ مقاعد الزعامات ليست محجوزة لهم؟ طبعاً لا.

 

هل انحنى "الخاسر" في لبنان والعالم العربي لمنافسه الرابح قائلاً له: "يا رئيسي" كما قال مكاين لأوباما؟  طبعاً لا.

 

هل إنحنى "الفائز" في لبنان والعالم العربي لخصمه "الخاسر" قائلاً له: "إنّ سجلّي ليس حافلاً بالتضحيات في سبيل الوطن كسجلّك"، كما قال أوباما لمكاين؟ طبعاً لا.

 

هل قام المنتصر (من المحيط إلى الخليج) بتأليف حكومة تشتمل على أخصامه في فريق من المتخاصمين يعملون معاً في سبيل بلادهم؟ طبعاً لا.

 

هل قام حضرة المواطن صفر بفهم الموقف فهدّد بأن يضع الزعيم أمام مسؤوليته وأنه وهو المُضطهدْ ابن المضطهد (تماماً كما أوباما) أصبح اليوم راشداً ويريد تسلم زمام الأمور؟ طبعاً لا.

 

هل وقف أحد في لبنان وفي سورية تحديداً ليقول أنظروا ماذا يجري لنتعلم؟ طبعاً لا.

 

 حفلة تشفٍّ ونكايات وأحزان معيبة على الجميع.

تماماً كما في الكازينو نلعب ونخسر ونحسد ونحتفل مع من يربح ونخسر ما ربحناه ويبقى المهم استمرارك في اللعبة.

 

ماذا يعنيني اجتماع الكونغرس الأميركي والنقاشات الحادة والعميقة حول المبدأ، لإقرار صرف 700 مليار دولار دعماً لاقتصاد"هم"، أو شركات مالـ"هم"والتي تمثل نحو %5.3 من ناتجـ"هم" القومي ما دمت "أنا بمنأى عما يحدث"، وما دمت أدفع %18 من ناتـ"جي" القومي لخدمة الدين سنوياً (أي أكثر بنحو 3 مرات من أميركا) دون أن يجتمع مجلس النواب أو مجلس الوزراء لمناقشة هذا الأمر جدياً وفي وقت يحتفل فيه المواطن صفر بعبقرية المشرفين على اقتصاده.

 

فلنتخيل إذاً أنّ لبنان كله كازينو. الرواد فيه مؤقتون بالمبدأ لكنهم دائمون عملياً. فيه الغني والفقير، فيه "الرابح" و"الخاسر". غني اليوم هو فقير الأمس ورابح اليوم هو الخاسر غداً. ترى السيارات المهترئة على طرقاته والسيارات الجديدة أمام الباب.

 

فيه كنيسة ومعبد ومصلى ومخمر لمن شاء أن يهتدي أو يكفر ومبشرون وراهبات ورهبان ومشايخ، وفيه كافرون ومعربدون. فيه المجون والحسابات والجنون وفيه "اللا شيء". الفيش عليه أرقام وألوان والصندوق أمامه دولارات "لإشاعة مناخ الثقة"، ولكن الفيش يتبخر قبل أن يصل إلى الصندوق الذي ليس فيه إلا ما تراه (ربما!) وإن قبضت شيئاً من الصندوق فإنك ستخسره غداً.

 

لك أن تحلم بأرباح ولك أن تبكي الخسارة، ولك أن تبشر ولك أن تكفر. لك أن تأكل سندويشاً أو تلتهم مائدة. لك أن تسمع موسيقى كلاسيكية أو تحضر سيركاً. وبين فينة وأخرى تفرح لجرس على طاولة ما، أو تبتعد عن نحس في مكان آخر...فأنت هنا في دنيا الأحلام والفانتزي... ورويداً رويداً تكتشف أنك تهرم وأنّ أعداد الرواد تتناقص وأنّ حياتك لم تكن كما أردت.

 

ماذا يعنيني كل هذا الكلام عن عبقرية اقتصادنا أنا المحتفل على ضوء  شمعة أو ضجيج محرك لأنّ الكهرباء مقطوعة وحيداً مع زوجتي (ربما) لأنّ أولادي جميعاً في المهجر يحتفلون بعبقرية من يدير وطنه بعقلية الكازينو؟

 

ماذا يعنيني نجاح أو سقوط أوباما ومكاين، أنا الذي سأنتخب أو أترشح بناء على قانون سخيف ومدمر؟ ماذا يعنيني سقوط أو نجاح أوباما، أنا الذي لم انتخب في حياتي ولا يُسأل رأيي من المحيط إلى الخليج؟

 

وهكذا قرر المواطن صفر أن يضيء شمعة ويسهر وحده حالماً منتظراً أن يسمع صوت فيروز على تلفزيون المنار (حيث لا تغني إمرأة)، ويرى السيد محمد حسين فضل الله خطيباً في مجمع الإمام الصادق (الذي غاب عنه أبان تدشينه برعاية السيد السيستاني)، ويسمع كلمة من البطريرك صفير تدين القتل والتدرب على السلاح وتسأل عن مصير المخطوفين على حواجز الميليشيات وتدين جرائم اسرائيل تحديداً، ويرى كتلة معارضة في مجلس الشعب السوري وانتخابات في الجزيرة العربية ومحطات لتكرير المياه الآسنة في لبنان. "%20 من اللبنانيين هاجر خلال عشرين عاماً وأنا أحتفل بعبقرية زعمائي" سمع نفسه يقول.

"أطفئ الشمعة ونم"، قال له الصوت، "فالحلم والحقيقة ممنوعان، إسمع صوت الماكينات فهناك من يربح وقد تربح غداً، أو إلعب بالرولات الروسية.

علق صورة أوباما أو بوش إن شئت وبجانبها علم البرازيل أو ألمانيا فأنت حر.."

 

أطفأ المواطن صفر الشمعة ولكنه لم ينم.

 

جواد نديم عدره

اترك تعليقا