«البرنيطة» والطربوش و«البعكور»

لم تكن «برنيطة» بشارة الخوري الانكليزية، ولا طربوش رياض الصلح التركي ولا «بعكور» مجيد ارسلان تشكل لدى الطالب «المتحمس» للاحتفال بالاستقلال رموزاً مشجعة. وكانت حماسته تخف مع الايام وفي كل مرة يقرأ عن دور من لقبهم كتاب التربية المدنية «ابطال الاستقلال».

سجن لبضعة أيام في قلعة راشيا، ولدى «تبدل الدول احفظ رأسك»، فيصبح اميل اده «متعاملاً» والاخرون «ابطالاً».

ومرت الايام، فقرأ عن الجندي الشهيد سعيد فخر الدين، والذي غاب ذكر اسمه آنذاك من كتاب التاريخ، وأعاد قراءة سيرة الشهداء الذين وقفوا في وجه العثمانيين، وتساءل عن أسباب تغييب أسماء الابطال الحقيقيين لصالح السياسيين، وكأن قدر الشهداء والمؤمنين الخلّص ان يكونوا وقوداً، لا للتحرير فقط، بل للساعين الى السلطة.

وكان الاستقلال موضوع تجاذب، فإذ برفع العلم وتمجيد لبنان «أبدياً أزلياً سرمدياً لا يزول»، يتمظهر غلافاً لطائفية مغالية، واذ باللاهجين كلاماً عن فلسطين والعروبة والوحدة يتمظهرون غلافاً لطائفية مغالية أيضاً.

واكتشف، طبعاً بعيداً عن كتاب التاريخ الموحد وكتاب التربية المدنية، معنى الاستقلال. فليس هو في جلاء الاجنبي عن ارضنا وليس في السلبية نحو الآخر، وليس حتى في الرموز والبطولات، بل هو في المعاني والقيم التي تكوّن المواقف والآراء، وحين نفقد هذه القيم نفقد الاستقلال.

لقد فقدنا عبر الايام او فشلنا في تكوين مجتمع المعرفة والانتاج فتحولنا الى افراد يتنازعون العيش ويتصارعون لكسب المال والسلطة، وحين نفعل ذلك نفقد ذلك الشيء الاعز: الحرية.

وبدا لبنان له نوراً في ظلمة الانظمة العربية، فحيث الحرية يكون الانتاج والعكس. وهنا أهمية لبنان. واذ بهذا النور يخفت حين نبتعد عن هذه القيم، ويتوهج اذ نقترب منها، ولما تبينت له هذه المعادلة، عاد محباً لتراب وطنه و«لبرنيطة» بشارة الخوري وطربوش رياض الصلح و«بعكور» مجيد ارسلان، لقد ظلمهم. فالمشكلة لم تكن يوماً في الافراد، بل في سلم القيم.

وأمام كلمات جبران تخرس كل الكلمات:
«ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين».
«ويل لأمة تأكل مما لا تزرع ...».
«ويل لأمة سائسها ثعلب، وفيلسوفها مشعوذ، وفنّها فن الترقيع والتقليد».
«ويل لأمة مقسمة الى أجزاء، وكل جزء يحسب نفسه فيها أمة».

وتذكر كلمات جون كينيدي المستعارة من جبران: «لا تسأل ماذا فعلت بلادك لك بل ماذا فعلت لبلادك».

تعالوا ننتج صناعة، وفناً، وغلالاً، ومعرفة، فنكون عندها مستقلين احراراً، ويكون لبنان الذي نريد.

* ألقيت بمناسبة عيد الاستقلال في مركز الحركة الثقافية في انطلياس، تاريخ 19 تشرين الثاني 2003

جواد نديم عدره

اترك تعليقا