متسولون

فجأة اكتشف اللبنانيون أنهم يُقتلون هذه المرة، على الطرقات. طبعاً هم لا يذكرون أنه سبق لهم أن قُتلوا على مدى 15 عاماً أيام الحرب الأهلية، التي يدّعي أمراؤها أنها انتهت ويحتفل اللبنانيون بـ «انتهائها» وبحبهم لبعضهم البعض. المسألة كانت، أو لم تكن، بين «مسلم» و «مسيحي» ولكننا اليوم وبعد تحقيق الوحدة الوطنية أصبحت، أو لم تُصبح أو أمست، بين شيعي وسني أي بين مسلمٍ ومسلم. وبالتالي فالوطن بخير لأنه عاد ليطير «بجناحيه المسلم والمسيحي» مجدداً. وقد كانت مآدب الإفطار شاهداً على هذا. فها هم مرتكبو مذبحة «السبت الأسود» يفطرون مع مرتكبي مذبحة شكا.

 

اللبنانيون لم ينتبهوا أيضاً أنهم يُقتلون في المستشفيات حيث تجرى العمليات الجراحية دون مسوّغ طبي وتتجاوز الأخطاء الطبية المميتة أو المعطِّلة الـ 25 % من إجمالي العمليات أو الإجراءات الطبية. ولم ينتبهوا أنهم يُقتلون بسبب الغش التجاري في المواد الغذائية والأدوية، ولم ينتبهوا أنهم يقتلون بسبب تلوث بيئتهم.

 

إنهم اليوم يريدون حلاً فورياً لمشكلة السير. وهم طبعاً لا يتنبهون أنهم اختاروا المشكلة ليس فقط في انتخابهم ممثلين يمثِّلون عليهم وعلى أنفسهم، بل في طريقة حياة ارتضوها: سيارات مستعملة تُستورد وهي محطّمة ومقطّعة وموصّلة وغير صالحة للسير، تُجدَّد في لبنان فتجرى لها عمليات تجميلية وتباع دون رقابة.

سيارات جديدة تُسحب من الأسواق العالمية إلا في لبنان. فالوكلاء أكدوا أنّ المشكلة هي في أميركا وأوروبا وليس في لبنان، حيث يُمنع استيراد هذه السيارات التي وجدت طريقها إلى أميركا التي لا تتقن حماية المستهلك مثل الحكومة اللبنانية، والوكلاء الحصريون دائماً على حق.

 

طرقات خطيرة، لا في حفرها فقط بل في طريقة تصميمها وتنفيذها، وانعدام الإضاءة فيها. اوتوستراد وسوبرماركت وشقق «سوبر دلاكس» ومحطات بنزين تبنى عليه مباشرة، تشجيعاً للسياحة وللإستثمار، ثم نفاجأ بحوادث السير؟!

 

سائقون سكارى دون رخصة (أو اشتروا رخصة)، لا إشارات إرشادية ولا تخطيطَ على الطرقات، والحراسات والمرافقات لدى الرسميين ولدى الأمنيين هي الأولوية، بدلاً من وقوف الدرك على الطرقات. ثم نفاجأ بحوادث السير؟!

ونريد حلاً الآن وفوراً، ونحن نتساير على الهاتف الجوال بسرعة 150 كلم/ساعة!

 

اللبنانيون لم يدركوا أنهم اختاروا الموت حين اختاروا حياة التسوّل. فهم منذ زمن يتسوّلون على أبواب زعمائهم ويتسوّلون حياتهم وحياة أولادهم. وزعماؤهم يتسوّلون على أبواب الدول سلطتَهم ومالهم. وها نحن نتسوّل «بناء الدولة»، ونتسوّل المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية ونتسوّل الطريق والمستشفى والدواء والهواء والماء.

 

اللبنانيون يموتون اختيارياً وليس كما حدث في باكستان من غضب الطبيعة أو كما يحدث في بنين (وسط افريقيا) حيث معدل الحياة 42 عاماً.

ولعلهم يسيرون كالحيتان المنتحرة إلى مصيرهم، وبالتالي عليهم أن لا يشكوا ولا يشتكوا. لكن الحيتان تموت بصمت الكبار أما المتسوّل فيموت ببطء وهو ينق أو يحتفل.

جواد عدره

 

اترك تعليقا