الفئة الثالثة الغائبة

عززت الحرب الأهلية فكرة المجتمع المكوّن من فئتين: مستفيدون متسلطون، وفقراء مستضعفون. المتسلطون يقتسمون الغنائم عبر سنّهم لتشريعات تخدم مصالحهم الذاتية، ومخالفتهم لما لا يحقق هذه الغاية. أما الفقراء المستضعفون، فلهم الهجرة والإحباط والعوز والجريمة. لهم أن يقتتلوا كل فترة من الزمن، وأن يصنفوا في الولادة وفي الزواج وفي الموت طوائفاً وعصباً خارجة على الله والإنسان.

 

هذا استطلاعٌ يصنف الإجابات وفقا للطوائف: كذا بالمئة مع القرار   1559 الصادر في العام 2004 وكذا بالمئة ضده؛ وذلك الاستطلاع يقول كذا بالمئة مع الرئيس الحريري وكذا بالمئة ضده؛ كذا بالمئة كانوا ضد الرئيس كرامي واليوم معه وغداً من يدري؟ وكذا بالمئة يعيشون هاجس الحرب الأهلية. والإجابات تختلف، لا وفقاً لدرجة التعليم بل وفقاً للطوائف. ولكنه هناك أرقام تتساوى فيها الطوائف وجعا:

a  500 ألف مهاجر وأكثر خلال 20 عاماً، ومن جميع الطوائف.

a  10 آلاف دولار أميركي لتسديد الدين العام في نهاية العام 2009 حصة كل مواطن من جميع الطوائف.

a  250 ألف (أو أكثر) عاطل عن العمل من جميع الطوائف.

a  25 ألف خريج جامعي ومواطن يبحثون عن فرص عمل سنوياً، ومن جميع الطوائف.

a  500 مليون حبة مهدئ تستهلك سنوياً ومن جميع الطوائف.

a  700 قتيل في حوادث مختلفة عام 2009 من جميع الطوائف.

a    620 مليار ليرة العجز المتراكم في فرعي المرض والأمومة والتعويضات العائلية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (عام 2009) والذي يستفيد منه اللبنانيون من جميع الطوائف.

 

وغير ذلك الكثير من تلوّث بيئي وانقطاع كهرباء وتردي في التعليم الرسمي والخاص والجامعات والمستشفيات وأزمات. هؤلاء هم المستضعفون الموحدون هماً، المفرقون طوائف.

أما المستفيدون المتسلطون، ومن جميع الطوائف، فلهم:

a  3.5 مليون متر مربع من الأملاك البحرية.

a  5.2 مليون طن  متري من النفط يحتكر استيرادها سنويا خلافا للقانون.

a  43.7 مليار دولار فوائد الدين العام منذ العام 1993 وحتى نهاية العام 2009

a  20 مليار دولار من الودائع في البنوك تعود إلى 0.5 % من المودعين. (وهذه احصائية العام 2002)

a  450 مليون دولار فقط ضريبة أرباح الشركات سنويا.

a  8.2 مليار دولار ارباح القطاع المصرفي في الاثني عشر عاماً الماضية

a  410 ملايين دولار ضريبة الفوائد المصرفية

a  2.1 مليار دولار أنفقت لمهجرين، معظمهم لم يعد وبعض المقيمين لم يُهجّروا.

وغير ذلك الكثير. وهؤلاء موحدون اهتماما وطوائف.

 

وتتقاطع الفئتان أحيانا، فإذا بالمتسلط المستفيد يتحول مستضعفا شاكيا وهنه وعجزه عن إدارة ما سُلّط عليه. فالفائض في القطاع العام يبقى فائضا، وقانون الأملاك البحرية لا يصدر، وموضوع الوكالات الحصرية ينسى، ويستمر الإهدار، وترتفع فوائد الدين العام، وتتفاقم الجريمة. وكذلك يتحوّل الفقير المستضعف إلى متسلط فيمتنع أو يعجز عن دفع فواتير الكهرباء والماء وتسديد ما يتوجب عليه لدولة لا ينتمي إليها (ولا هي له)، كما تتوزّع الفئة الواحدة أحيانا فئات، فيكون أحدهم مستفيدا غير متسلط أو مستضعفا غير فقير.

وتشحذ الحراب، شيعة وسنة ودروزاً وموارنة وأرثوذكساً وكاثوليكاً وغيره، لحرب جديدة لمصلحة فئة لا يضيرها أن يقتتل المستضعفون ما داموا لا يتجاسرون على المسّ بها. ومرة أخرى الطائفية، ولمَ لا؟ ما دامت هي في سجل القيد وفي الوظيفة وفي السكن وفي الميراث.

 

أما من استقووا (وهم كثر) فيجلسون ويظلون متسلطين عاجزين.

لكن النظرية حول الفئتين تبقى ناقصة. فهناك رجال فِكر وفن وسياسة وعمل ليسوا بمتسلطين ولا بمستضعفين، وهم يعلمون أن عليهم فعل شيء وإلا انتهوا هجرة في الخارج أو ذوبانا في إحدى الفئتين. إنها الفئة الثالثة المعطلة الحركة، الكبيرة الاحلام.

ويتراءى له الجوع والمرض والجثث والتجهم في كل مكان.وتسمع تنهيدة وترى دما ودمعا، فتتساءل ما الطائفة؟ ما الزعيم؟ ما الفئات؟ ما المصير؟

 

نشرت النهار

اترك تعليقا