«أهل السنّة» يحصون قتلاهم وإذ بهم و«أهل البيت» و«النصارى» واحد
لذكرى ضحايا الجيش و سكّان مخيّم نهر البارد، تعيد الشهريّة نشر هذه المقالة التي سبق ونُشرت في العدد رقم 46 من شهر تشرين الأول 2007
كتب حفيد آل سيفا من عكار مجدّداً، وهذه المرّة لا ليوضح شيئاً بل لينعي ولده الوحيد. يقول إن أحداً لا يستطيع المزايدة عليه فهو سليل عائلة سنّية عريقة من قلعة عرقا، وقد خسر أجداده ملكهم لأن فخر الدين انتصر عليهم، على الرغم من ولائهم الشديد للعثمانيين وللخليفة السنّي، وحتّى الرمق الأخير.
لقد اختلج قلبه عندما سمع نداء مفتي الجمهوريّة في 23 أيار 2007 متوازياً مع نداء سعد الحريري إلى «أهل السنّة»* في الشمال «ليناصروا الجيش اللبناني ضدّ عصابة لا فتح ولا إسلام»، وفقاً لهما.
كتب حفيد آل سيفا يبكي ولده متسائلاً، لماذا كُتب عليه أن يدفع الثمن منذ مئات السنين حتّى يومنا هذا على الرغم من أنه من «أهل السنّة» لا من «أهل البيت». ويأمل هذا الأب الحزين أن يصل صوته إلى «أهل السنّة» في باكستان أيضاً.
يقول إن تقديراته تشير إلى مقتل 166 ضابطًا وعنصراً من الجيش اللبناني ونحو 220 شخصًا من مسلّحي ومدنيي نهر البارد، وإن نحو 300 من هؤلاء هم من «أهل السنّة».
وراح يتذكّر أنه تظاهر ضدّ حزب الله ورفع أعلام القوّات اللبنانية بعد حرب تموز، لأن حزب الله «تسبّب» (وفقاً للموالاة) بمقتل نحو 1,100 مواطن، معظمهم من الشيعة. لكنّه يعلن أنه سيغيّر مسيرته الطويلة، «ما الفرق بين «أهل السنّة» و«أهل البيت»؟ ألا ينتمون جميعاً إلى بيت واحد؟» يسأل.
ويقول إن حزب الله كان يحارب إسرائيل وهي تحارب حزب الله لكن «ولدي كان يحارب من»؟ و«من كان يحاربه؟»
ويقسم أنه لا يزال مع الجيش اللبناني ولو كان لديه ولد آخر لأرسله. لكنّه يعترف أن عينه أدمعت حين رأى مظهر نساء وأطفال مقاتلي فتح الإسلام وهم يغادرون المخيّم، وحين رأى الجثث في كل مكان. «هل كانوا يعلمون أنهم يقاتلون ويقتلون أهلهم ومنهم ولدي؟» يسأل. أقسم أنه لن يفتح تلفزيوناً بعد اليوم، ولن يسمع خطاب رجل دين أو رجل سياسة في لبنان، وأن مرشدته هي السيدة «النصرانية أم الشهيد»، التي قالت في مأتم ولدها «ما حدا بيستاهل».
وفي الوقت نفسه، هو يسامح من كان السبب. ولن يثأر لولده لأن له في أقوال السيد محمد حسين فضل الله ملاذ:
«إن هذا السلوك الوحشي «الثأر» هو جريمة نكراء… ويدلّ على تجذّر الذهنية القبلية التي تنطلق من حالات التخلّف والجهل والغرائزية والتعصّب للعائلة والعشيرة أو ما إلى ذلك يؤخذ فيه البريء بذنب المجرم…»
ويقول إنه يتطلّع إلى يوم يتصارح فيه اللبنانيون ويغفرون ويتصالحون، بدءاً من مذابح 1840 إلى حرب 1975، إلى مقتل رفيق الحريري، «ألا تكفينا جثث من جميع القبائل والعشائر والطوائف تعبّد تاريخنا؟» يسأل ويستشهد بإبن عربي:
«لقد صار قلبي قابلاً كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت أوثان وكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآن»
ويختتم رسالته بقوله «لقد اكتشفت أن أهل السنّة وأهل البيت والنصارى واحد».
* يروى أن عبارتي «أهل السنّة» و«أهل البيت» جاءتا إثر الخلاف الذي نشب بعد عمليّة التحكيم للخلافة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان في العام 657م. فـ«أهل البيت» تشيّعوا لعلي، و«أهل السنّة»، (ويقال أيضاً «السنّة والجماعة»)، مشوا وراء معاوية.
أما كلمة «النصارى» فيقصد بها المسيحيين، وإن كان هناك اجتهادات عدّة حولها.
ولعلها المرّة الأولى في تاريخ لبنان السياسي تذكر فيها عبارة «أهل السنة» من
اترك تعليقا