من هم «البلطجية؟»
فجأة تبرز كلمات أو عبارات معينة وفجأة تختفي لتعود وتظهر مجدداً أو تندثر. ويحدث هذا دون أن نتساءل عن الأسباب أو الحوادث أو الظروف التي أدت إلى ذلك. هل تذكرون «المصير والمسار» أو «وحدة المسارين»؟ أو «الخيار السوري»؟ لا نسمعها الآن لماذا؟ لكننا ربما سنسمعها مجدداً وقريباً، لماذا؟ هل تذكرون كلمة «علوج»؟ ما عدنا نسمعها! ونسمع حديثاً كلمة «حراك» تتكرر وهي كانت غائبة عن القاموس السياسي، لماذا؟ والآن وبعد مظاهرات ميدان التحرير في القاهرة سمعنا بكلمة »البلطجية» جمع كلمة »بلطجي»
وهذه بعض الملاحظات حول كلمة »بلطجي»
أولاً: عائلة البلطجي
قد يكون مفيداً أن يتذكر البعض في 14 آذار أن عائلة «البلطجي» من «أهل السنة» ولم يشاركوا في أحداث الميدان! ولا في أحداث 7 أيار! ولكن ما همّ فعددهم كناخبين في بيروت لا يتجاوز 130 فرداً.
وفي مرفأ بيروت شاع اسم «بلطجي»، سواء بسبب المهنة أو لان بعض أفراد عائلة «البلطجي» كانوا يعملون بالمرفأ. ولعل لهذا علاقة بالكلمة الفرنسية Pilotage أو مهنة إرشاد السفن. ولكن أساس الكلمة جاء من المهنة في حمل البلطة سواء في الجيش العثماني أو في عمل آخر.
ثانياً: كلمة «البلطجي»
«البلطجي» مصطلح في اللغة التركية ويعني الذي يتسلح بالبلطة التي تستعمل في تقطيع عظام الذبيحة لدى الجزارين أو في تقطيع الأشجار، كما استعملت «البلطة» في القديم كإحدى أدوات القتال ووجدت فرق في الجيوش سلاحها البلطة وسميت بفرقة «البلطجية». و»البلطجي» في العهد العثماني هو الذي يحمل البلطة في حضرة السلطان إذا أراد أن يؤدب بها أحد العصاة. وعندما سيطر العثمانيون على مصر في العام 1517 كان بعض المجرمين يستخدمون البلطة، تشبهاً ببلطجي السلطان، لإرهاب الناس وفرض الاتاوات عليهم وقد أطلق عليهم لقب «بلطجية»، والظرف المناسب لعمل «البلطجية» هو عندما يغيب القانون وتنهار الدولة وينتشر الفساد وتسيطر على البلاد ظاهرة الفلتان الأمني.
ثالثاً: إبن منظور
وإذا عدنا إلى ابن منظور في «لسان العرب» لوجدنا:
بالطناهم تعني نازلناهم (مما يثبت النظرية حول أساس الكلمة). ولكن «أبلط» تعني أيضاً أفلس، مما يؤكد أن «البلطجي» هو أيضاً فقير. والبلط قد تعني الفار من العسكر. والأساس هو البُلط او البَلط: أي الحديدة أو المخراط.
رابعاً: «بلطجية» البَلاط
إن «البلطجية» الحقيقيون والذين ضربوا الناس في ميدان التحرير هم الذين ربضوا في البلاط منذ ثلاثين عاماً وأكثر. إن »البلطجية» الحقيقيون في لبنان هم من أشرفوا على قتل وتهجير وخطف الناس ثم استصدروا قانون عفو عن جرائمهم. وهم ايضاً من خطط وشارك في سرقة المالية والأملاك العامة وتفرجوا على إسرائيل تسقط قنابلها على أهلهم ويفخرون بهجرة وتهجير أبنائهم. ويتجاهلون أن العنف يتولد من القهر والفقر والظلم والجهل أيضاً.* و»البلطجية» الحقيقيون هم قادة الغرب الذين يبيعون السلاح لأزلامهم في العالم، وهم يعرفون أن هذا السلاح سيستخدم لقتل وقمع الشعوب.
خامساً: المبايعة
الكل يريد «المبايعة»، وهي، وفقاً لابن منظور مجدداً، «عبارة عن المعاقدة والمعاهدة كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره... وهي الصفقة».
ومختصر الحديث ان لا «بلطجية» دون مبايعة و بلاط، وفي بلادنا بلاطات كثيرة.
وإذا أردنا التساؤل عن هذا النضب في الثقافة والقيم والإنتاج في عالمنا العربي علينا أن نتذكر أن لا البَلاط ولا «البلطجية» ولا «المبايعة» ولا الصفقات تبني اوطاناً.
*بعد ما ورد في جريدة الأخبار نقلاً عن ويكيليكس وما نشر سابقاً عن محادثات سياسيين لبنانيين مع السفيرين السابقين للولايات المتحدة الأميركية في لبنان جيفري فيلتمان وخليفته
اترك تعليقا