أشلاء نهاد أم أشلاء وطن؟
لم تكن نهاد ناصر الدين تعلم أن فجر السبت 15 تشرين الأول 2011 سيكون آخر يوم في حياتها وأنها ستتقطع أشلاء على طريق جبيل- بيروت، المسماة مغالطة ومفاخرة “ اوتوستراداً”، بعد أن صدمتها سيارة وتعاقب على جسدها الجريح عدة سيارات وشاحنات، ظناً أنها أشلاء غير بشرية.
تمكنت “سرية جونيه في قوى الأمن الداخلي بإشراف قائدها من تحديد هوية المرأة المصدومة التي تعرفت عليها ابنتها”، وفقاً للوكالة الوطنية للاعلام.
كأن مهمة القادة الأمنيين اكتشافنا أشلاء بينما تكون مهمة القادة السياسيين التسبب بهذه الأشلاء. أما أن تكون الأشلاء غير بشرية، فهي لعبة مقززة تدرب عليها اللبنانيون تعرفها القطط والكلاب جيداً.
فالسائقون مستعجلون دون سبب، والطريق غير صالح سواء لمرور السيارات أو لعبور المشاة والمشاة المغلوب على أمرهم أو أمرهن مثل نهاد، ليسوا مثلنا نحن “سيدات وأسياد المجتمع” الواهمين أننا بسائقينا ومرافقينا نسلم، وما نحن بسالمين.
وبلادنا كطرقاتنا مظلمة دون كهرباء، وعرة دون روح وخطرة دون سلامة وظالمة دون أمن أو أمان أو عدالة.
أشلاء نهاد روت كل هذا وأكثر!
هي “الشيعة” حين أستُثاروا ضد “الفلسطينيين”، وهي “الموارنة” حين أستُثاروا ضد “المسلمين”، وهي “السنة” حين أستُثاروا ضد “الشيعة”. هي نحن فقراء وأغنياء شماليون وجنوبيون وأهل بقاع وجبل.
هي عوز الفقير وتسوله العمل والاستشفاء من “الزعيم”. هي شطارة اللبناني على نفسه وعلى أهله ولو أشلاء!
هي احتكار النفط والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة والطمع المجنون وهجرة أولادنا وعنصريتنا وصغارة عقولنا ووضاعة نفوسنا فإذ بنا بلا طريق ولا مدرسة ولا مستشفى ولا شاطئ ولا جبل ولا شجر ولا أخوة ولا أهل ولا أبناء ولا ذاكرة ولا تراث. طموحنا تأشيرة سفر وملاذنا زعيم.
أشلاء نهاد روت كل هذا وأكثر!
وقالت قبل وفاتها: أين جسر المشاة؟ أين أنوار الطريق؟ أين قوانين السير؟ أين التنظيم المدني والمخطط التوجيهي العام؟ أين السائق الذي صدمني ومن تعاقب على جثتي؟
وقالت أيضاً:
يا فخرنا، لدينا كازينو ومطار وقانون سرية مصرفية ومحطات فضائية وشجرة أرز عمرها ألف سنة!
أما زيادة الأجور فلا، وأما التغطية الصحية الشاملة فلا، والضريبة على الأرباح العقارية فألف لا، ولتبقَ الطرقات خطرة والسيول جارفة والقتل مجانياً والعوز أبدياً.
هذه ليست أشلائي إذاً، هذه أشلاء وطن.
هكذا تكلمت نهاد ناصر الدين العمر، 49 عاماً، في جبيل “مدينة الحرف”.
جواد نديم عدره
اترك تعليقا