عاصم سلام: النقيب النسر

يفتخر القلب ويعتصر وأنت تراهم على صهوة أحصنتهم من عشرينات وثلاثينات القرن العشرين لا يترجلون، وكأنهم على سفر أو مهمة. عملوا فخيبت آمالهم لكنهم ما باعوا ولا اشتروا ولا بايعوا زعيماً أو دولة ولا طأطأوا رأساً فحافظوا على الذات وعلى حلم بوطن ودولة، علموا جيداً أنهما قد لا يأتيان. مهنيون، محترمون، صامتون وصامدون. عاصم سلام هو من هؤلاء الفرسان، في الجامعة، في مكتبه الهندسي، في النقابة، في نشاطاته وطلاّته. شامخ كأرز لبنان، جذل كمصر، دمث شجاع كنبلاء الطاولة المستديرة، ثائر كالجزائر، حزين كفلسطين، مثقف غني كسومر، شاميّ عروبي، أرستقراطي، عامّي، كونيّ ضاجّ، ضاحك وفي أحلك الأيام.

عاصم سلام محارب لا يرتاح وفارس لا يترجل. وفي منزله في زقاق البلاط-البطركية القائم منذ أواسط القرن التاسع عشر محاصر ببشاعة الباطون وكأنّ واحة قلبه الخضراء وحسّه المعماري للذاكرة ولبيروته بالذات أبى إلاّ أن يبقى هذا المنزل شاهداً على عصر الجوع والجشع والنفط. يقول هكذا أنا وهكذا يجب أن تكونوا. طبعاً لا روح ولا آذان سمعته، لا في مجلس الإنماء والإعمار ولا في وزارتي الأشغال والإسكان ولا في النقابة وحتماً لا في عنجر ولا في مجلسي النواب والوزراء.

عاصم سلام قال لعبد الحليم خدام وغازي كنعان ورستم غزالة وأتباعهم سابقاً ولاحقاً ودوماً "هناك في لبنان من هو فوق المناصب". ويشرّفه أن يكون على لائحتكم السوداء نقطة ضوء لهذه البلاد. ممنوع عليه أن يتبوأ مركزاً فهذا يهدد "مستثمري البلاد" و"نخاسييها" وطبعاً سوليدير. ممنوع على من لا يلعب كرته السنّي البيروتي أن يرتاح لحظة. الصديق النبيل لنسيب لحود ووليد جنبلاط أبى إلا أن يقول بعيد افتتاح سوق استثمار مظاهرات 2005 وبالتحديد لمن قالوا "السوري عدوك": "إن مطالب الاستقلال من الوصاية السورية وانتقاد ممارسات أصحاب هذه الوصاية والمشاركين اللبنانيين منهم أصيبت بخلل كبير من أهل 14 آذار أنفسهم إن لجهة مصداقيتهم الأخلاقية أو التهجّم العنصري على الدور السوري في لبنان". (الشهرية عدد رقم 52 شباط2008 )

وقال أيضاً لإحدى المسؤولات في السفارة الأميركية: "منع لبنانيين أبدوا رأيهم من التأشيرة إلى بلادكم هو نوع من القمع لا يظهر أنكم ديمقراطيون"...... ولمّا دهشت ظنّا أنه، وكونه اضطهد من المخابرات السورية، سيكون متشفياً راح يقول: "موقفكم من المسألة الفلسطينية هو المشكلة". فاستغربت معلّقة أنت لبناني؟ فأجاب: "أنا فلسطيني كما أنا لبناني وأولادي فلسطينيون".

عاصم سلام فارس جيد ومستثمر سيء. رجل نهضة في عصر انحطاط ونبيل من القرن العشرين يشرفني أني جلست إلى طاولته المستديرة. ولتكتمل الصورة لنرى ما قال في سوليدير: "إن مقاربة إعادة إعمار الوسط كان يجب أن تنطلق من مبدأ إعادة توحيد العاصمة غير أن ما حصل هو تفريغ العاصمة من نحو 135,000 لبناني من المالكين وأصحاب الحقوق وحرمانهم من حقّ الرجوع وهدم حوالي 85% من ذاكرة العاصمة المدنية، مما قضى كلّياً على تاريخها وعلى الدور التوحيدي لهذا الوسط". (الشهرية عدد رقم 52 شباط2008 )

ما غاب لحظة عن الحدث وللمئات بل للآلاف "منّا" هو الحدث. الرجال العظام كالنسور ينشرون أجنحتهم للريح ويحلقون. عاصم سلام أنت نسرنا ونقيبنا مهندسين وغير مهندسين. عاصم بك سلام، لك "منّا" اللقب ولنا منك وفيك العز.ّ أرز لبنان والعاصي ودجلة والفرات يعرفونك جيداً ومعنا يرفعون كأسك عالياً. فالنبيذ لمثل هذه الساعات عتّقوه.

جواد نديم عدره

اترك تعليقا