ماذا نخبرهم؟
"... في أي بلد هؤلاء؟" سأل طفل السابعة "وكانت ملائكة الأديان منبثقة من وجهه الطفولي... وكان يلعب في كوكبه الخاص"، قبل أن ينهره صوت الخطيب الشيخ أحمد الأسير من ساحة الشهداء في ... مطمئناً المسيحيين أنهم بأمان. وكان والده "يعد نفسه ليخبر طفله حين يلزم عن الجنوب وعاصمته... وعن صيدا المسلمة المطمئنة في هدأة عبرا المسيحية... وعن صيدا مار الياس والمطرانية، وصيدا... في ظل المآذن..." هكذا روى جان عزيز ما حدث معه يوم تظاهر الأسير ومؤيدوه في ساحة الشهداء مستجلباً تظاهرة أخرى قام بها حزبا البعث والقومي في محاولة سقيمة لاسترجاع مشاهد "خلية حمد" و "قرنة شهوان".
"خربط الشيخ الاسير كل كتاب التاريخ الصيداوي في رأس الوالد كما نسف كل سفر جغرافيا الوطن في عيني الطفل". يقول جان عزيز مفتتحاً ما يمكن أن يكون بدايات لحوار حقيقي بين المهتمين المنهمّيين بعيداً عن طاولة حوار جوفاء يتكلمون عنها. فلنرسم معالم كتاب تاريخ وجغرافيا لم يكتب بعد.
فلنبدأ، هل ارتكب الأسير بالفعل كل هذا؟
هل الأسير هو المسؤول عن الفشل، بل الإفلاس الذريع، للأحزاب والنخب والسياسيين في لبنان؟ وهل الأسير هو المسؤول عن روايات تاريخ غير حقيقية، معظمها مدبَّر ومدبلج لخلق واقع غير موجود حول وطن لم يكن؟ ماذا نخبر الأطفال؟ لنخبرهم الواقع الذي كان والذي نراه بحلوه ومره، ولنمكّنهم من بناء واقع آخر يوماً ما.
لنخبرهم عن فخر الدين حين كتب لكونتيسة توسكانا يقبل يديها عن بُعد طالباً تعيينه قنصلاً لتوسكانا في "وطنه" المفترض لبنان. وعن البشيرين الشهابي والجنبلاطي يرتكبان الفظائع طامحين إلى تقبيل يد السلطان، حتى لا نقول أعضاء أخرى من جسده، حائكين دسائس على بعضيهما مع هذه الدولة أو تلك. صغيران يسعيان للتسلط على بعض القرى وبضع عشرات ألوف من البشر. وعن الأسباب الحقيقية لــ 1845 و1860 و1920 و1943 و1958 و1975 و1989 و2005 و2006 و2007...، والآتي الأعظم، من دون استخدام تعابير أن مسيحياً هجم على درزي، أو درزي "قوَّصَ" دجاجة، أو أن الاستقلال جاء نتيجة بطولات عظيمة أو أن حادثة بوسطة عين الرمانة أشعلت حرباً دامت 15 عاماً. فلندرس التاريخ من دون قصص حرامية وأبطال ومن دون تقديس أو تخوين. وعن أتباع جمال باشا كيف انقلبوا عليه حين خسرت تركيا الحرب وعن الأموال الفرنسية لرشوة أهالي طرابلس والبقاع الرافضين الانضمام إلى دولة لبنان الكبير وكيف تحولوا مع الزمن وبرعاية غازي كنعان ورستم غزالة الرائعة إلى حاقدين على شيء اسمه سوريا ليعودوا اليوم حريصين على "أهل السنّة في سوريا".
ولنخبرهم عن أموال الوكالة اليهودية لرجال الدين والسياسة والصحافة وحتى مَنْ نسميهم "رجال فكر" في هذا البلد وعن التمويل المستمر منذ العشرينات لوسائل الإعلام لدينا. فلولا الأتراك والانكليز والفرنسيون والخليجيون والإيرانيون والأميركيون ما قرأنا صحيفة ولا شاهدنا شاشة، لأن الشباب سيفلسون مادياً بعد التفليسة الفكرية "المتفق عليه". ولولا المبشرون الكاثوليك والبروتستانت ما كانت لنا جامعة يسوعية أو أميركية مما يدعونا للاحتفال باحتضار مَعلَمنا التربوي الأهم أي الجامعة اللبنانية.
لنخبرهم عن بطريرك حرص على "عروبة لبنان" خوفاً من الفرس وعن مفتٍ صلّى في السراي لأنها "تخص أهل السنّة"، وعن سياسي، بعد قطفه ثمار هذه الصلاة، استفاق ضميره فأراد "مكافأة" من دعا له بطول البقاء بفتحه ملفات دار الإفتاء في وقت يصر فيه على إغلاق دفاتر وزارة المالية من دون تدقيق. وها هو المفتي يصمت فلا يقول له أين أموال المنطقة الحرة في المطار وأموال "سوكلين" وكيف أصبحتَ تملك مئات الملايين من الدولارات؟ "لقد صمَّد الرجل من معاشو". وعن شيخ وراهب أفتيا تارة بقتل فلسطيني وطوراً بقتل سوري ودائماً بقتل"آخر" ما من هذه الطائفة أو تلك، وعن حزب علماني ارتضى لعبة الكراسي المذهبية في مجلسي النواب والوزراء ولعبة الدم في الشوارع وتقبّل سكوت التحقيق عن مقتل أعضائه الحزبيين وارتضى كرسياً وزارياً فتباهى بهذا "النصر".
لنخبرهم عن زعيم سياسي يقول في الستينات لأحد المهندسين القلقين أن ليس في لبنان مياه ملوثة فلبنان لا يمكن إلا أن تكون مياهه طاهرة. وعن التلاعب بالأدوية وبالأغذية وبالمياه الجوفية وبالبحر وبالهواء وعن القتلى على الطرقات وعن ضحايا الأخطاء الطبية.
لنخبرهم عن أهالي وادي خالد يستقبلون رموزاً كانت وراء حرمانهم الجنسية اللبنانية التي لولا غازي ورستم ما نالوها. وعن حرص مَنْ رفع شعار "السوري عدوك" و"اقتل فلسطينياً تذهب الى الجنة"- عن حرص هؤلاء - على حياة أهل درعا وحمص وعلى قيام الدولة الفلسطينية. وعن حرب أهلية قُتل وشُرّد وشُوه ودُمّر خلالها مئات آلاف من بشر وحجر فانتهت بقانون عفو من دون أن نعرف كيف بدأت وهل فعلاً انتهت؟ وعن القومي والاشتراكي والقواتي والأملي ينتخبون معاً ضد حزب الله والتيار في انتخابات نقابة المعلمين، وعن حلف أمل/حزب الله + القوات + المستقبل + جنبلاط في العام 2005، وعن زعماء يحرصون على الديموقراطية في سورية ويفعلون أي شيء لاستبقاء زعاماتهم في لبنان. وعن اتحاد عمال يقوم ضد وزير سعى لإنصاف أعضائه دون أن يُحاسَب رئيسه على موقفه.
"صيدا المسلمة وعبرا المسيحية"؟ وطن التعايش نحن هنا، أنظر ماذا حل بنا!
لنخبرهم عن صيدا المكب وعن 23,000 صوتوا لمن طوب المكب وكرسه ووعدهم بإزالته من دون أن يفعل، وعن مقتل معروف سعد وضلوع ضباط في المكتب الثاني بذلك غدوا أبطالاً ومنظّرين لبناء الدولة. وعما فعله ياسر عرفات وعن تهجير قرى شرق صيدا وعن اغتيال ومحاولة اغتيال أكثر من 230 فرداً منذ 1943 وعن حبل الجرائم المستمر.
ولنخبرهم عن الضابط الفرنسي الذي قتل عشرات المواطنين أبّان الانتداب ودفنهم فوراً في البقاع وأستُقبل استقبال الفاتحين في بيروت. وعن تموز 2006 وكيف انتظر سياسيون لا يخجلون أن تنهي إسرائيل حزب الله فمالحوا "كوندي" في السفارة الاميركية رغم القتل والدمار القائمين، ومع ذلك لم يتردد حزب الله وأمل من إغداق نعت "الحكومة المقاومة"، على حكومة كانوا وما زالوا يتهمونها بالتآمر عليهم وعلى لبنان. وعن 7 أيار 2008 و 24 آب 2010 وكيف أصبحت المقاومة سلاحاً في بيروت والأحزاب العريقة مليشيات تحرق وتحتل.
لنخبرهم عما كتبه اسكندر رياشي: "... حتى أننا لا نكون مبالغين ولا مختلقين إذا قلنا أن أهالي البلاد القوا دروساً على الأتراك في فن الرشوة والارتشاء والاستثمار. رأينا هؤلاء الأتراك في جبل لبنان عن كثب، يأتوننا في البداية رجالاً، مستقيمين إنسانيين وينقلبون بعد حين إلى وحوش كاسرة... ذلك عندما كنا نفتش عن اكتساب رضاهم بكل ما عندنا من حيل وبكل ما عندنا من أسباب وطرق للإغراء".
ولنخبرهم أن العفو كان "لتبرئة" القتلة لا "لإنصاف" المظلومين والتعويضات للمهجِّرين لا للمهجَّرين وأن حركة المحرومين لم تعد محرومة وأن الحرص على تغطية طريقة صرف السنيورة للـ 11 مليار هي عنوان السلم الأهلي... ولْنغنِّ لهم ومعهم: "هذا بلد أما Zoo"!
هل الشيخ الأسير مسؤول عن كل هذا؟
ولتكتمل الصورة لنخبرهم عن النقاط البيضاء في هذا السواد الحالك، عن مقاومة رفعت رأسنا وعن موظفي قطاع عام عانوا الفقر ولم يرتشوا رغم المغريات وعمَّنْ جاع فلم يتسول ولم يسرق وعمَّنْ تعرضوا للخطر خلال الحرب الأهلية إنقاذاً لجار أو لشخص لا يعرفونه وعن أهالي فقدوا محبيهم فلم ييأسوا وعمَّنْ سامح قاتليه وعن أستاذ استمر بالتدريس وعن موظف واظب على الدوام خلال الحرب وعن دماء ضحايا أبرياء ودموع لا تكفكف لأناس لا يزالون يعتقدون أن هناك بلداً يستحقهم ويستحقونه، وعلى هذا نستطيع أن نبني.
لنخبرهم عن أهمية أن يكون لدى الأفراد والجماعات سلَّم قيم نستوحي منه ونرجع إليه فيكون هو البوصلة وهو المرجعية فلا تأتي مواقفنا انتهازية وراء زعيم ولا لرشوة أو كره بآخر.
ولو شئنا ان نختصر وصايا حمورابي وموسى والمسيح ومحمد بواحدة لكانت "لا تكذب" هي الواحد الأحد فيها. كل ما نحن وكل ما حولنا وكل ما فينا كذب وتكاذب. لقد كذبوا فقتلوا وسرقوا حين قالوا أنهم سعوا لبناء وطن، ولقد كذبنا حين مشينا وراءهم رغم أن قلوبنا قالت لنا شيئاً آخر.
ولقد تزامن مع سؤال طفل السابعة سؤال آخر لطفلة السابعة:
"أنت لا تذهب إلى الجامع وماما لا تذهب إلى الكنيسة... نحنا شو؟ نحنا ما شي؟".
نحن اللاشيء الذي يعلو فوق كل الأشياء، قال الوالد.
يعني "الماشي" أحسن من "كل شيء"، "مش هيك"؟ أجابت الطفلة.
أسئلة لإمتحانات كتاب تاريخ مفترض
ولنفرض في الامتحانات الرسمية هذه الأسئلة
سؤال رقم 1: يروي اسكندر رياشي عن صديقه هارولد كابلين كتابته: " قصر المختارة، الذي كان في عهد الأتراك حصن النفوذ الانكليزي بلبنان (أصبح بيتاً لفرنسا).. [وقد تجعل القاعدة السياسية اللبنانية] الماروني انكليزياً اذا كان الدرزي فرنسياً..
اشرح الأسباب وأكتب فقرة تصف فيها اصطفافات اليوم كما لمح الكاتب وفقاً للتواريخ منذ العام 1989 وحتى الآن.
سؤال رقم 2: هل مكب صيدا مقبول لدى الشيخ الأسير لأن "أولياء الأمر" لدى "أهل السنة" كانوا وراءه؟ نعم، أم لا؟ ولماذا؟
سؤال رقم 3: هل سيستطيع كل من حزب الله وأمل والتيار الوطني الحر من الاستمرار بلوم حكومات الحريري والى متى؟ وكيف سيبررون ذلك؟
سؤال رقم 4: هل يعتبر تيار المستقبل "سوكلين" والمنطقة الحرة و"سوليدير" خطوطاً حمراء يمس التساؤل عنها "أهل السنة"؟ نعم أم لا؟ اشرح الأسباب
سؤال رقم 5: هل تعلم بحالة واحدة خلال التاريخ البشري الحديث وقف فيها اتحاد العمال ضدّ زيادة رواتب العمال؟ حدّد واشرح.
سؤال رقم 6: لماذا لم يتمكن كل من السيد حسن نصر الله، والرئيسين ميشال عون ورفيق الحريري من التحوّل إلى عناصر وحدة حتى رمزياً ولم يستطع أحدهم أن يكون زعيماً إلا لطائفة أو لجزء منها؟ وهل بالإمكان تغيير البيئة التي سبّبت هذا؟.
سؤال رقم 7: هل صلاح الدين الأيوبي بطل لدى السّنة والشيعة على حد سواء؟ نعم، لا، ولماذا؟
جواد نديم عدره
اترك تعليقا