مُكوِّنات أو مكَانة؟
نذكر، ربما، ما درجت "أدبيات" السياسة اللبنانية على تسميته "الصيغة الفريدة"، وهذا طبعاً قبل أن تبيع فريدة صيغتها. وأما عن "الميثاق الوطني"، فحدّث. ترى أية "صيغة فريدة" هذه وأي "ميثاق"؟
هل نحن أشد تطوراً من الهند في مسألة ما درجنا أيضاً على تسميته "العيش المشترك"؟ هل الــ 5,000,000 خمسة ملايين لبناني تقريباً أضف إليهم أسطورة خمسة عشر مليوناً 15,000,000 لبنانياً مغترباً (بل خرافة بل....) أكثر من مليار ومائتي مليون 1,200,000,000 مواطن هندي؟ هل عدد لغاتــــ"نا" بضع مئات ومع ذلك نجحنا بالتفاهم بلغة واحدة أو ثلاثة؟ هل عدد أعراقنا ومشاربنا وطبقاتنا وعشائرنا ونعم "مكوّناتنا"، أكثر من ثلاثة وأربعين ألفاً، 43,000 ومع ذلك أصبحنا أكبر ديموقراطية في العالم؟ هل نحن أكثر تطوراً: فناً؟ صناعة؟ وغلالاً؟ طبعاً نعم، فنحن لبنانيون و"قلُّن إنك لبناني" يقول عاصي الحلاّني!
وهذا الحديث يأتي بنا الى ما يردح به سياسيو لبنان اليوم: مكوِّن ومكوِّنة ومكوِّنات.
ترى كيف نشأت هذه الكلمات؟ من أدخلها الى حديثنا اليومي؟ ولماذا لم تكن واردة بهذه الكثافة في الخطاب السياسي قبل سنوات قليلة وهي اليوم "كارجة"، "دارجة"؟ ومَنْ "كرج" و"درج" "عرج" عاجلاً أم آجلاً!
ورد في لسان العرب لابن منظور(أدامه الله مرجعاً لنا،) "كوَّن الشيء أحدثه" "والله مكوِّن الأشياء يخرجها من العدم إلى الوجود". و"الكائنة هي الأمر الحادث" ولا ترد كلمة "مكوِّن" أو" مكونة" أو "مكوِّنات" في "لسان العرب".
ولو اعتبرنا أن الله كوّن"نا"، فقد يعني أن سياسيي لبنان ورجال الدين فيه هم معترضون على مشيئة الله الذي لا اعتراض على مشيئته والذي لا "يتلبس"، ولا "يلتبس" وقد خلقنا "شعوباً وقبائل وطبقات" ولم يُحدِث أو يحَدِّث عن "مكوِّنات"، بل عن "كائنات". أما إذا اعتبرنا أن سياسيي لبنان ورجال الدين فيه هم من يلعبون دور الله فيُحدثون الأشياء فإننا، لو ألبسناهم رداءً واسعاً عليهم، فإننا نحمّلهم المسؤولية الأولى للتعامل معنا" كمكنونات" لا "ككائنات".
ويكفي أن نفتح القاموس الحديث (المورد) لنرى أن كلمة مكوّنة ومكوّن تعني Constituent في اللغة الانكليزية وهي كلمة شائعة في اللغة السياسية الغربية وخاصة في أميركا وهي تشير إلى الدائرة الانتخابية أو إلى الناخبين وليس إلى الطوائف أو الأعراق، حيث هناك "الآباء المؤسسون" والمحكمة العليا، وضريبة ومحاكمات وسجون للسياسيين وشعوب العالم كله وإعلام وجامعات ومعاهد أبحاث واقتراعات واختصاصات ومساءلة متواصلة. أما هنا فأين نحن من ذلك؟ وهل نعلم ماذا تعني كلمة مكوّنات أو مقوّمات أو عناصر؟
واستطراداً من "لسان العرب"، فإن الجرادة إذ تجمع البيض في جوفها تكون قد "مَكِنَتْ وهي مَكُون وأمْكَنتْ وهي مُمْكِنٌ..."
أجراد نحن؟ أم بيض؟ أم عناصر؟
ومن مراجعة الصحف اللبنانية وبعض الكتب نكتشف أن كلمة "مكوّنات" بدأت خجولة في أوائل التسعينات وأواسط التسعينات "كرجت" أيضاً في أحاديث عن "مكوّنات اللحوم"، و"مكوّنات القروض والأسعار". وهي "دارجة" اليوم على أمل أن "تعرج" غداً. فهل أنت مع الأكثري أو النسبي أو الأرثوذكسي أو الستين أو الخمسين أو... وهل سينتخب حسين علي أو محمد ومارون نقولا أو أحمد وشربل محمد أو إيليا أو...؟
واقتباساً من الدكتور شربل نحاس حول رواية سقوط بيزنطية وجنس الملائكة فها هم "قادتنا"، يتمايزون باستخدام كلمة "مكوِّن" أو "مكونة". ترى ما هو جنس"نا" أو جنس"هم"؟ لا "بيزنطية" ولا "الفرنج" ولا "محمد الفاتح"، بل "قلُّن إنك لبناني".
تقريباً لا بدّ من تحليل آخر:" أطياف المجتمع اللبناني".
ترى هل سيتبدّل الخطاب السياسي إلى تعبير آخر وهو المكانة والمكانات وهي تعني "التؤدة والاستقامة"، وأن يكون للواحد منا مكانة ويجلس في مكانه. ولو فعلنا ذلك لأصبحنا مجتمعاً متمكناً ولأصبح لــ "ذوات القوم" "هيبة". وفي الآية: "اعملوا على مكانتكم".
أما العُنْصَرُ فهو "أصل الحسب" ولكن العُنْصُر هو "الداهية".
وهكذا نستطيع أن نقول إنّ الخطاب السياسي في لبنان مستحوذ عليه من قبل عُنْصُر!
جواد نديم عدره
اترك تعليقا