همٌّ وغمٌّ
وبعد أسبوعين، وردت رسالة من المستر ستوب يقول فيها ما مؤدّاه: رسالتك إليّ مفاجأة غريبة. لا أذكر اسمك، وليس لك على دفاتري أيّ ذكر، أو أيّة إشارة إلى مالٍ هو منحة لك. ليس عندي منحٌ ماليةٌ لأحد، ولا شكّ في أنّ هناك بعض الالتباس. اتّصل بالمستر ستيورت في بيروت، علّه يساعدك في هذا الأمر، وتفضّل بقبول تحياتي واحترامي: ستوب.
شعرت بوجل عظيم ويأس قانط. يا ربُّ! ما العمل؟ ليس في جيبي دراهم للأكل! ما العمل؟ وسارعت إلى كتابة رسالة مطولّة للمستر ستيورت في بيروت، وهو أمين الصّندوق ووزير الماليّة فيها.
لم أكن أعرف ستيورت معرفةً جيّدة. الذين يعرفونه كانوا يقولون عنه إنّه رجلٌ طيّب القلب، حسن الطويّة، ولكنّه لا يبتسم، ولا يتكلّم كثيراً. عضلات وجهه لا تعرف تقلّص البسمة.
كانت علاقتي به في الجامعة رسميّةً جدًا. كنت أذهب إليه ليدفع لي أجري عن ساعات تعليم العربيّة للأجانب، ولا أذكر أنّنا كنّا نتكلّم. ولحظت أنا أيضًا أنّه لا يبتسم، ولا يتكلّم كثيرًا.
وكتبت رسالة مطوّلة، وأخبرته عن زيارة دودج لشيكاغو، وكيف أنّه أعطاني نصف المنحة لأذهب إلى ألمانيا، وكيف أنّ دودج قال لي بأن أقبض الثاني من مجلس الأمناء في نيويورك، وأخبرته عن جواب ستوب وكيف أنّه أحالني عليك. وقلت في آخر الرّسالة: مولاي، أنا فقير متشرّد في بلاد الغربة، لاأملك فلسًا، ولا أمل لي بالحصول على فلس من أحد في هذه البلاد الفقيرة التي تعاني أزمة خانقة. الرّجاء أن تتكرّم، وتسرع بإرسال المنحة المقرّرة لي، وهي حقٌّ أدبيٌّ أطالب به. وختمت الرّسالة، وكتبت على الظّرف: مستعجل (Urgent).
وبعد أيّام، وردتني رسالة من ستيوارت مقتضبة جدًّا فحواها: رسالتك مفاجأة لي. ماذا تعما في ألمانيا؟ ليس في دفاتري أيّة إشارة إلى اسمك، أو إلى منحة ماليّة مخصّصة لك في حساباتي. تفضّل بقبول احترامي.
اترك تعليقا