لبنان تجسيد التاريخ
إليكم بموضوع مثير للاهتمام، يجعل المؤرخ يسبر مجرى التاريخ بأكمله، منذ بزوغ فجر الحضارة.
لا بدّ من تحديد مضامين المصطلحات:
أ. لبنان، بالمعنى الجغرافي، ليس تجسيدًا للتاريخ، إنّما تجسيدٌ للطبيعة. فالخصائص الطبيعية للبنان تكمن في صميم ثرواته الانسانية. البحر، الجبل، الثلوج والغابات خصائص لا تفاجىء سكان سواحل المتوسط الآخرين، فاليونان وايطاليا والمغرب وكتالونيا وبروفانس على سبيل المثال تتّسم بالظواهر الطبيعية نفسها. أمّا سكّان مصر والعراق وخصوصًا المملكة العربية السعودية، فينظرون إلى لبنان كبلدٍ استثنائي، يكاد يكون عجائبيًا.
أودّ أيضًا أن أشير إلى تأثري الشخصي، في 17 آذار من هذا العام، بمشهد الثلج الذي كسا سلسلة جبال لبنان الشرقية ولبنان وتراءى إلى ناظريّ فجأةً من الصحراء خلال المحطة الأخيرة من سفري بالطائرة من كراتشي إلى بيروت.
ب. لكن حين نعالج كلمة «لبنان» من حيث معناها البشري، نجد أنّ لبنان تعبيرٌ عن التاريخ أيضًا. لبنان، بهذا المعنى، هو نتاج كافّة الشعوب والجماعات التي مرّت عليه واستقرّت فيه على مرّ القرون.
..في خضمّ دراستي للموضوع المطروح بين أيدينا، أوّد أن أفترض أن التاريخ الانساني للبنان قد شكّل وحدةً اجتماعيةً وثقافيةً منذ نشوء الحضارة وحتى يومنا هذا. طبعًا، هذا الافتراض لا يتوافق مع الحقيقة التاريخية. فاللبنانيون الفعليون ليسوا خلفاء الفينيقيين بالمعنى الحرفي للكلمة. كان الفينيقيون بحّارة متشبّثين بالساحل وكانت الجزيرة هي الملاذ والملجأ الطبيعي لديهم، لا الجبل. صور، أرواد و ليليبايوم (Lilybaeum) ومبانيها الشاهقة، صامدة في حضرموت المعاصرة. لم يضم الفينيقيون الجبل إليهم إلا في حقبة متأخرة نوعًا ما من التاريخ الفينيقي. في المقابل، اللبنانيون الفعليون هم سكان جبل أخفقوا حتى العام 1920، في ضمّ أي مرافىء أو مدن ساحلية إلى محيطهم إلا بصورةٍ عابرةٍ ومؤقتة... إلا أنّ الفينيقيين القدامى ولبنانيي الحاضر يتقاسمون عادات وقدرات مشتركة بالغة الأهمية.
..أرجو منكم الانتباه إلى أنّ هذه الفترة التي حقّق خلالها الفينيقيون، أسياد ساحل البرزخ السوري على المتوسط، أعظم إنجازاتهم، كانت أيضًا فترة كابدت خلالها المنطقة المعروفة اليوم بالشرق الأوسط «فراغ السلطة»، وهو مصطلح دخل حيّز التداول إثر وروده في الإعلان التاريخي للرئيس إيزنهاور... يبدو أن «فراغ السلطة» يوفّر أفضلية ومزايا تجارية استثنائية تخدم سكان البرزخ السوري...
..عمومًا، كان حكم الفراغ أو فراغ السلطة في البرزخ السوري تجربةً نادرة الحدوث بعض الشيء. هذا البلد النافذ والقادر في المجالات الاقتصادية والثقافية، هزيل في المجالات السياسية والعسكرية، فحتّى الدولة القادرة على ضمّ سوريا بأكملها، بالمعنى الجغرافي الأوسع للكلمة، ستجد صعوبة في التصدّي لجيرانها: مصر، تركيا والعراق، أي الدول التي توفّر أسسًا وقواعد أوسع للمساعي الامبريالية. في الماضي، لم تكن سوريا يومًا تشكّل وحدةً سياسيةً مستقلّة، وإن الوحدة السياسية للبرزخ السوري لم تتحقّق إطلاقًا إلا إثر توسّع إحدى الممالك القائمة وضمّها لكافّة بلدان المنطقة. أمّا في حالات «فراغ السلطة» النادرة، فإن البرزخ السوري ينقسم إلى فسيفساء من الدويلات المتناحرة. انظروا إلى الخارطة السياسية اليوم. إنها خير نموذج.
..حاليًا، أصبحت الدول العربية موضع نزاع بين الولايات المتحدة وروسيا بغية رسم الحدود التي تفصل بين هاتين الامبراطوريتين في المشرق. فهل تتصادم هذه الحدود مع حدود تركيا وإيران في الشمال؟ أو تتصادم مع الحدود التي تفصل الصليبيين والمسلمين؟ يمكن الجزم أن مستقبل لبنان يتوقّف على الأجوبة على هذه الأسئلة.
لا بدّ من تحديد مضامين المصطلحات:
أ. لبنان، بالمعنى الجغرافي، ليس تجسيدًا للتاريخ، إنّما تجسيدٌ للطبيعة. فالخصائص الطبيعية للبنان تكمن في صميم ثرواته الانسانية. البحر، الجبل، الثلوج والغابات خصائص لا تفاجىء سكان سواحل المتوسط الآخرين، فاليونان وايطاليا والمغرب وكتالونيا وبروفانس على سبيل المثال تتّسم بالظواهر الطبيعية نفسها. أمّا سكّان مصر والعراق وخصوصًا المملكة العربية السعودية، فينظرون إلى لبنان كبلدٍ استثنائي، يكاد يكون عجائبيًا.
أودّ أيضًا أن أشير إلى تأثري الشخصي، في 17 آذار من هذا العام، بمشهد الثلج الذي كسا سلسلة جبال لبنان الشرقية ولبنان وتراءى إلى ناظريّ فجأةً من الصحراء خلال المحطة الأخيرة من سفري بالطائرة من كراتشي إلى بيروت.
ب. لكن حين نعالج كلمة «لبنان» من حيث معناها البشري، نجد أنّ لبنان تعبيرٌ عن التاريخ أيضًا. لبنان، بهذا المعنى، هو نتاج كافّة الشعوب والجماعات التي مرّت عليه واستقرّت فيه على مرّ القرون.
..في خضمّ دراستي للموضوع المطروح بين أيدينا، أوّد أن أفترض أن التاريخ الانساني للبنان قد شكّل وحدةً اجتماعيةً وثقافيةً منذ نشوء الحضارة وحتى يومنا هذا. طبعًا، هذا الافتراض لا يتوافق مع الحقيقة التاريخية. فاللبنانيون الفعليون ليسوا خلفاء الفينيقيين بالمعنى الحرفي للكلمة. كان الفينيقيون بحّارة متشبّثين بالساحل وكانت الجزيرة هي الملاذ والملجأ الطبيعي لديهم، لا الجبل. صور، أرواد و ليليبايوم (Lilybaeum) ومبانيها الشاهقة، صامدة في حضرموت المعاصرة. لم يضم الفينيقيون الجبل إليهم إلا في حقبة متأخرة نوعًا ما من التاريخ الفينيقي. في المقابل، اللبنانيون الفعليون هم سكان جبل أخفقوا حتى العام 1920، في ضمّ أي مرافىء أو مدن ساحلية إلى محيطهم إلا بصورةٍ عابرةٍ ومؤقتة... إلا أنّ الفينيقيين القدامى ولبنانيي الحاضر يتقاسمون عادات وقدرات مشتركة بالغة الأهمية.
..أرجو منكم الانتباه إلى أنّ هذه الفترة التي حقّق خلالها الفينيقيون، أسياد ساحل البرزخ السوري على المتوسط، أعظم إنجازاتهم، كانت أيضًا فترة كابدت خلالها المنطقة المعروفة اليوم بالشرق الأوسط «فراغ السلطة»، وهو مصطلح دخل حيّز التداول إثر وروده في الإعلان التاريخي للرئيس إيزنهاور... يبدو أن «فراغ السلطة» يوفّر أفضلية ومزايا تجارية استثنائية تخدم سكان البرزخ السوري...
..عمومًا، كان حكم الفراغ أو فراغ السلطة في البرزخ السوري تجربةً نادرة الحدوث بعض الشيء. هذا البلد النافذ والقادر في المجالات الاقتصادية والثقافية، هزيل في المجالات السياسية والعسكرية، فحتّى الدولة القادرة على ضمّ سوريا بأكملها، بالمعنى الجغرافي الأوسع للكلمة، ستجد صعوبة في التصدّي لجيرانها: مصر، تركيا والعراق، أي الدول التي توفّر أسسًا وقواعد أوسع للمساعي الامبريالية. في الماضي، لم تكن سوريا يومًا تشكّل وحدةً سياسيةً مستقلّة، وإن الوحدة السياسية للبرزخ السوري لم تتحقّق إطلاقًا إلا إثر توسّع إحدى الممالك القائمة وضمّها لكافّة بلدان المنطقة. أمّا في حالات «فراغ السلطة» النادرة، فإن البرزخ السوري ينقسم إلى فسيفساء من الدويلات المتناحرة. انظروا إلى الخارطة السياسية اليوم. إنها خير نموذج.
..حاليًا، أصبحت الدول العربية موضع نزاع بين الولايات المتحدة وروسيا بغية رسم الحدود التي تفصل بين هاتين الامبراطوريتين في المشرق. فهل تتصادم هذه الحدود مع حدود تركيا وإيران في الشمال؟ أو تتصادم مع الحدود التي تفصل الصليبيين والمسلمين؟ يمكن الجزم أن مستقبل لبنان يتوقّف على الأجوبة على هذه الأسئلة.
اترك تعليقا