في جامعة تيبنغن
حياةٌ رتيبة صارمة. وفي مثل هذا الجوّ الكريم السّخيّ، والحنان الدّافىء والنّظام الصارم، ينشأ الأولاد رجالاً!
وبدأت الدّروس في أوائل تشرين الثّاني. وكان عليّ أن أسجّل اسمي. قال الأستاذ لتمن: سأكون في عونك. وكنت أتوقّع المشكلات والتّعقيدات التي يلاقيها طلبتنا في الجامعة الأميركيّة. بكت ابنتي مَيّة من شدّة ما لاقته من عناء وقت التسجيل.
دخلت مع الأستاذ قاعة كبيرة، سقفها عقدٌ كالذي نعرفه في لبنان. بناية قديمة عمرها مئات السّنين، كان الفيلسوف الألمانيّ الشّهير هيغل يحاضر فيها. وقد علا بعض حيطانها الطّحلب الأخضر. لم يكن في هذه الغرفة سوى رجل متقدذم في السّن، يجلس وراء منضدة نخر فيها السّوس. وكان هناك كرسيٌّ واحدٌ فقط. وعندما رأى الأستاذ لتمن، وقف وقفة عسكرية وانحنى احترامًا. غريب وغريبٌ جدًا مبلغ الاحترام للأستاذ الجامعيّ! وقال: أنا في خدمتك مولاي الأستاذ. قال: هذا طالبٌ لبنانيٌ يريد الالتحاق بالجامعة، وسيكون في عداد تلاميذي.
وجلس المسجّل، وتناول دفترًا صغير الحجم جدًا، ومن ورقٍ رديءٍ جدًا، وقال:
-اسمك؟
-أنيس فريحة.
-فريخا؟! كيف تكتب الاسم؟ وأعانه لتمن على تهجئة الاسم.
-وما لديك من وثائق ثبوتية تؤهلك للالتحاق بالجامعة؟
-لديّ شهادة الماجستير من شيكاغو. وفسّر الأستاذ معنى هذه الشهادة، لأنّه درّس زمنًا في جامعة برنستون.
وقال لتمن: هذه تؤهله للدخول. ورضي المسجّل. وكتب على الدّفتر الدّروس التي اقترحها الأستاذ لتمن: اللّغة الآراميّة، اللّغة العبريّة، الأركيولوجيا، تاريخ الفنّ.
اترك تعليقا