سعيد شعيا - هل مناصرة الحقوق المستدامة للمرأة معبر نحو السلام؟

صحيح أنّ البعض قد يعتقد أنّ الحقّ في الحياة هو جلّ ما قد يحتاجه المرء في زمن الحرب، فالحفاظ على الحياة البشرية ينبغي أن يتجاوز من حيث الأهمية الحق في التعليم. وعلى الرغم من أنّ هذه الفكرة قد تبدو منطقية وعقلانية، إلا أنّها لا تساعد على منع نشوب النزاعات مستقبلاً أو على إعادة بناء المجتمع.

نحن نعتقد أنّ الدفاع عن المساواة في حق الفتيات في التعليم وفي غيره من الحقوق منذ الطفولة أمرٌ أساسي سواء كان في آسيا أو أفريقيا أو أميركا الجنوبية أو الشرق الأوسط، كونه يشكّل طريقة مستدامة لتدارك اختلال التوازن والمشاكل في المجتمعات المذكورة. 

إذا كنا نتّفق في أنّه ما من تقدّم وتطوّر من دون دور فاعل للمرأة في شتّى الميادين، فإنّنا حتمًا نتّفق في أنّه في غياب التطبيق الحقيقي والممارسة الفعلية لحقّ المرأة في التعليم، لن يتحقّق أي تقدّم. وعليه، فإن المساواة في الحصول على التعليم يبقى المدماك الأساسي لبناء الكرامة الانسانية. إن سوء معاملة الفتيات منذ يفاعة سنّهن، في مختلق مناطق العالم، يبدو اليوم ظاهرةً شائعة، لا تنال اهتمام الكثيرين نظرًا لانشغالهم بمسائل ملحّة أخرى على الساحة الدولية. 

ما هي الاستنتاجات التي سيستشفّها المؤرخون بعد انقضاء نصف قرن أو أكثر إزاء الانحدار الحاصل في مكانة النساء وأوضاعهن في زمننا؟ كيف لنا أن نفاخر بأيّ من إنجازاتنا أو تقدّمنا التكنولوجي  في وقتٍ ما تزال فيه المرأة تعامَل على أنّها نكرة لا بل مستعبدة في العديد من المناطق حول العالم؟ كيف لنا أن ندّعي العيش في عالم معاصر في حينٍ ما زالت أغلبية أصقاع العالم تتبع أسلوب حياة القرون الوسطى. كلّ الأفكار والعقائد التي تحرّم على المرأة حقها في “الحرية والمساواة والأخوّة”، تحت ذرائع متعدّدة، هي أفكار ظلامية. 

تستحقّ المرأة حقوقاً متساوية لحقوق الرجل في كلّ المجتمعات ويحق لها أن تكون مواطنةً كاملة حتّى وإن كان إدراك مفهوم المواطنة الشاملة يقتصر على قلّة قليلة فقط. التعليم ليس خيالاً طوباويًا والعمل ليس حلمًا صعب المنال، بل هما بكلّ بساطة من الحقوق الأساسية التي ينبغي منحها لأي مخلوق بشري، خصوصًا لأولئك الذين يحرمون منها أي الفتيات. 

“كلّ الأفكار والعقائد التي تحرّم على المرأة حقها في “الحرية والمساواة والأخوّة”، تحت ذرائع متعدّدة، هي أفكار ظلامية“

المسار شاقٌ ومضنٍ ومازال هناك شوط طويل يتعين قطعه لتحقيق المساواة في الحقوق. إحدى الوسائل التي تساعد على ذلك تكون في العمل على حقوق عالمية تكفل حق التعليم للفتيات، وتساعد في الوقت عينه على تحقيق الاستقرار والتقدم لملايين الناس. إن الغد الأفضل لن يتحقق إلا بعد أخذ النساء بعين الاعتبار واحترامهن والنظر إليهن كمخلوقات كاملة غير تابعة لهنّ الحقّ في التعلّم والعمل وممارسة الرياضة والفنون. إن السماح للنساء بالتواجد والتفوّق في نطاق الحياة العامة ينبغي أن يكون أمرًا بديهيًا لا خلاف أو جدال حوله. 

أخيراً، تجدر الإشارة إلى تبيّن وجود علاقة جليّة بين معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة لدى النساء وبين تحسين أوضاع الحياة وبالتالي تطوّر المجتمعات. إن تنامي حقوق المرأة والأمل في سلام مستدام أمران يترابطان بشكلٍ وثيق بغية العيش والعمل ونيل المساواة. ولعلّ هذا هو الحقّ في بداية جديدة.  

اترك تعليقا