في جامعة تيبنغن
احتفظت إلى زمن بدفتر يحتوي قائمة الطعام! أكل لذيذ، وسهرات ممتعة، وحفلات موسيقية عند الرابعة بعد الظهر، وقت تناول القهوة! وكان البحر هادئاً، والقمر بدراً. والبحر يجمع بين قلوب المسافرين. اليمّ العظيم يشعر الإنسان أنه ضعيف، ضائع، منقطع عن الدنيا، فيطلب الألفة والصداقة. وكم دمعت عين عند تفرّق الشمل!

عندما علمت المسّ سمسون أني مسافر إلى ألمانيا، دعت بعض الأصحاب إلى حفلة وداع بسيطة في حانة كنّا نرتادها. وأهدوني قدّاحة ، وعلبة شكولاتة. وودّعت الصّحب ، وودّعت شيكاغو وأساتذتها.
ومن هامبورغ إلى تيبنغن جنوباً بالقطار. سحرتني ألمانيا بجمال مدنها، وخضرة غاباتها، وحسن ريفها.

في تيبغن بت ليلتي في فندق صغير إسمه فندق الثعلب. وفي الصباح التالي، توجّهت إلى الجامعة. ولكن الجامعة منتشرة في أنحاء عديدة من المدينة القديمة الجميلة. وأخيراً إهتديت إلى مكتب الأستاذ أنّولتمن : رجل مديد القامة، ضخم الجسم، أزرق العينين، أشقر البشرة. وكان ثقة في اللغات السامية وتاريخ شعوبها. كما أنه كان يعرف سوريا معرفة وثيقة، إذ أنه بقي فيها زمناً يجمع النقوش الكتابية في حوران وفي بلاد الصفا.

رحّب بي ترحيباً حاراً، وقال: أنا بانتظارك. لقد جئت في الوقت المناسب. إني أعدّ ترجمة ألمانية لقصّة فينانوس لشاكر الخوري. وفيها مفردات، وفيها مصطلحات لم أجدها في القاموس. كما أن فيها أيضاً إشارات إلى عادات لبنانية، وعادات لم أستطع فهمها فهماً حقيقياً. وأراني رزمة من الورق عليها عشرات الأسئلة. وأنا أعرف القصة، وكنت قد قرأتها، وأحتفظ بنسخة منها في مكتبي. قلت: أكون سعيداً إذا إستطعت مساعدتك.  

اترك تعليقا