حنّا سعادة - عن التقدّم في السنّ والتنوير

على الرغم من أن العمر الزمني معاندٌ ومتعنّت، إلا أنّ العمر البيولوجي أكثر مرونةً وقابلية للتحوّل، فالصحة الجيدة تؤخّر حلول الشيخوخة أما اعتلال الصحّة فيحثّ خطاها. وعلى هذا، ينبغي لنا  أن نلتزم ممارسات صحية كالإقلاع عن التدخين وغيره من المخدّرات الضّارة وتفادي الفيتامينات والعلاجات غير المعترف بها من قبل الدراسات العلمية الضابطة والابتعاد عن السمنة، وممارسة الرياضة بانتظام واستهلاك الكحول باعتدال، وتناول الطعام كما ينبغي، والتحكم بالضغوطات اليومية واستخدام الرعاية الطبية الوقائية. الطب الوقائي يعالج الاضطرابات قبل أن تسبّب الأمراض ففحوصات الكشف عن سرطان الثدي والرئة والبروستات والقولون والرحم، والخضوع للقاحات الموصى بها وتخفيض معدلات الكوليسترول وضغط الدم ونسب السكر في الدم ومعالجة ترقق العظام قبل انكسارها والأسنان قبل أن  تعرّض الصحة للخطر وسرطانات الجلد قبل أن تنتشر والقيام بالفحوصات الدورية كلّها أمور تساعد على التخفيف من آثار الشيخوخة. 

لكن الصحة البدنية لا تكفي وحدها فالتعامل مع الشيخوخة يحتاج أيضًا إلى الثبات الذهني الذي هو ثمرة مسيرة فكرية نعزّزها ونطوّرها عبر استقاء الحكمة من تجارب من سبقونا في العمر وفي الموت أمثال:
موهانداس غاندي (1948-1969): إن كلامك على الشيخوخة هو كلامٌ فارغ  ما دمت تسابق الشباب دونك سنًا إلى الكدّ والعمل ومادمت تملأ الفضاء بصخب ضحكاتك وسط الأوقات الحالكة وتبعث الأمل بالشباب حين يكونون على شفير اليأس.

دوغلاس ماكارثر (1880-1954): ما من امرىء يقاس عمره بعدد السنوات التي يعيشها. يشيخ المرء حين يتخلى عن مثله العليا، وإن كانت السنوات تولّد تجاعيدًا في البشرة فالتخلي عن الاهتمامات يولّد تجاعيدًا في الروح. أنت شابٌ بقدر يفاعة ايمانك وثقتك بذاتك وآمالك ومسنّ بقدر شكوكك ومخاوفك ويأسك.

سيمون دو بوفوار (1908-1986): هناك حلٌ وحيد يحول دون جعل العمر مهزلة سخيفة لحياة سابقة وهو أن نمضي في ملاحقة الغايات المنشودة التي تضفي معنًى على وجودنا وأن نكرّس أنفسنا للآخرين، أفرادًا وجماعات، ولقضايا اجتماعية وسياسية وفكرية أو للعطاءات الإبداعية. 

يحتاج كلّ من يتقدّم في السن إلى عقيدة خاصّة وعقيدتي هي التنوير لأن الفكر المستنير لا يردعه رادع:
أن تبحر في الزمن باندفاع وهمّة وأن تطوي صفحة، متعطّشا لفتح أخرى وإفراغ ما في جعبة الغد من فصول ومحطات، أن تنفخ في شعلة الشباب زيتًا ونارًا، فتتوهّج في العلياء لتسمو بك ومعك. أن تنساب مع تيّار الحياة ولا تخشى موجها العاتي، أن تحسن اختيار التوقيت الأنسب للتوقّف والانطلاق وأن تحسن انتقاء خطاك. أن تحمد الحياة على كلّ عطاياها وأن ترضى وتسلّم بقضائها ولا تتذلّل وتتوسّل حين ينطفىء زيت القنديل. أن تزهو وتفرح لبذلك قصارى جهدك وتقديمك ما بوسعك وأن تنسحب مفسحًا المجال لسواك. أن تهلّل للتغيير والازدهار وأن تعي أن الرحيل فرصة للتوحّد مع الأرض والسماء.  

اترك تعليقا