في جامعة شيكاغو
 وذات ليلة، دعاني بعض الأصحاب لشرب كأس من الخمر في حانة قريبة. ولبس الشباب أثقل ما عندهم من الثياب، وتلثّموا، وسرنا إلى الحانة. لم يكن عندي شيء ألفّ به أذني، فجمد الدّم فيهما، وبقيت شهراً أتألّم!
وجاءت فرصة الربيع وكان لي صديق يدرس الطّب ويطمح إلى الالتحاق بإرسالية تبشيرية في الشرق الأدنى. ومن هنا كانت مصادقته لي إذ تكلّمنا عن هذا الأمر. غير أنّه عدل عن هذه الفكرة فيما بعد.
ولصديقي هذا خطيبة حسناء، من عائلة ثريّة، يملك أبوها مزرعة هائلة المساحة، من النوع الذي يسمّونه “رنش” في ولاية داكوتا في الشمال الغربيّ من الولايات المتحدة. تعرّفت إلى الخطيبة، المسّ نانسي سمسون Simpson، وكنّا نأكل سويّة في الكفتيريا. وكان الطبيب، واسم وير wise ينام في البناية التي أنام فيها. وتوثّقت بيننا، نحن الثلاثة، صداقة حميمة. وذات يومٍ قبل العطلة الربيعية، قالت لي نانسي: إنّني ذاهبة إلى داكوتا مع بل (اسم خطيبها)، ونودّ أن نصطحبك معنا لترى الرنش، إذ كنا أحبّ الزراعة وأعشق الأرض. وكثر كلامي عن الزراعة وكثرت الأسئلة عن الحياة الزراعية في الولايات المتّحدة. وتابعت نانسي كلامها: اتصلت بأبي وقلت له: إني سأجلب معي ضيفًا. سرَّ والدي كثيرًا، وأمس وردتني منه رسالة تقول: لا تحضري دون اصطحاب الطالب اللبنانيّ! فما قولك؟ واسمح لي أيضًا أن أقول إنّ تذكرة السّفر ذهابًا وإيابًا عليّ! وكذلك تذكرة بيل، إنّه مثلك مفلس!
ركبنا القطار، وبعد يومين، وصلنا إلى أقرب محطة من مزرعة السيد سمسون. وهناك وجدنا سيارة بانتظارنا وفيها السيد سمسون. 
مزرعة سمسون تقاس بالأميال المربّعة (لا بالأمتار)، وتقع عند سفح جبال كانت لا تزال مكسوّة بالثلج، وتجري من هذه التّلال سَواقٍ صافية المياه، تمر أحداها بالقرب من المنزل العائلي. ومنظر السواقي بالنسبة إلى اللبناني منظر بهيج. وكان سمسون يربّي الأبقار، وعنده منها بضعة آلاف، يرعاها جمهور من رعاة البقر، الذين يركبون الخيول، ويحرسون القطعان، ويردّونها إلى زرائب منتشرة في أنحاء المزرعة. يعبّأ الحليب في براميل، وينقل إلى أقرب دسكرة هناك. وكان كلّ سنة يبيع العجول على ثلاث دفعات.  

اترك تعليقا