في جامعة شيكاغو

تركت أمتعتي في الفندق، وسرت إلى الجامعة، ولم يكن من الصعب أن أجد البناية التي أقصده، وفيها الأستاذ العتيد. كان أستتاذي العتيد رجلاً أميركيًا من أصل جرماني، يتحلى بالخلق الإيطاليّ، من حيث الحماسة والاندفاع وحرارة الشعور. اسمه شبرنلنغ Sprenling.

استقبلني الأستاذ بحرارة، وقال: أنا بانتظارك. كتب لي دودج عنك، ونحن نرحّب بك. أين تقيم الآن؟ قلت: في فندق الدورادو. فصُعِق، وقال: يا ربّ، يا سماء! الفندق هذا ليس للطلبة! لقد حجزت لك غرفة في بناية للطلّاب. اذهب حالًا، وأحضر أمتعتك.

واستقرّ بي المقام. قال الأستاذ: لقد بدأ فصل الصيف، وعليك أن تتسجّل، وإن كان قد انقضى بعض الوقت. أريدك قبل كلّ شيء أن تلتحق بصفّ الفوناتيك (علم الأصوات اللغوية)، وهذا درس أساسي. وأريدك أن تلتحق بصفّ صديقي الأستاذ سلبير Sapir في علم الألسن، وكان هذا الأستاذ من مشاهير علم الألسن. ودرس آخر في علم الآثار. وهذا يكفي لفصل الصيف. وسنرى في الخريف ماذا نقترح عليك. لن أطلب إليك أن تدرس العبريّة مع مبتدئين لا يزالون في طور باء ضمّة بُو! وضحك. 
وقضية الأكل يا أستاذي الكريم؟
الأكل في الكفتيريا.
الكفتيريا؟!
سيذهب معك أحد تلاميذي. وهو سيشرح لك كيفية تناول الطعام. هذه مطاعم شعبية  جديدة، ورخيصة. 
وتعلّمت بيسر، وبعد ذلك انصرفت إلى الدرس. 

في فصل الخريف، اقترح الأستاذ أن آخذ درسًا في البابلبة- الأشورية عند أستاذ ألمانيّ علّامة، هرب من ألمانيا والتحق بالجامعة، ودرسًا آخر في الدّراسات التّوراتية عند شيخ التّوراتيين في ذلك العهد واسمه سمث G.M.P. Smith، ودرسًا آخر في اللغة العبرية مع المتقدّمين من الطلاب. وقال الأستاذ: هذا يكفي الآن، إذ سأطلب إليك أن تعاونني في نشر مقدّمة ابن خلدون. هناك أمور عديدة لا أفهمها . وكان ينوي نشر المقدّمة، ولكنّه عدل عن هذا آخر الأمر. والمشهور عن هذا الأستاذ أنّه كثير المشاريع قليل الإنتاج. لكنه كان ذكيًا سريع الاندفاع. 

اترك تعليقا