سامية خوري - مديرة مركز التصلّب العصبي المتعدّد في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت

في البداية، هلّا أطلعتنا باختصار على خلفيتك العلمية والمهنية؟
حصلت على شهادة دكتوراه في الطب من الجامعة الأميركية في بيروت في العام 1984 وانتقلت من بعدها إلى كليفلاند، أوهايو لتلقّي تدريب تخصّصي في علم الأعصاب في جامعة كايس وسترن ريزرف (Case Western Reserve)، بعد انتهائي من التدريب التخصّصي، تابعت برنامج التخصّص الفرعي في كلية الطب في جامعة هارفرد وأنجزت برنامج زمالات ما بعد الدكتوراه قبل أن أصبح أحد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة. تمّت ترقيتي تدريجيًا في هارفرد إلى أن حزت في نهاية المطاف على منصب بروفيسور في علم الأعصاب. بعد ذلك، تمّ منحي كرسيًا أستاذيًا وعيّنت في الوقت عينه مديراً مشتركًا لمركز التصلب العصبي المتعدّد. هذه نظرة موجزة عن خلفيتي العلمية والمهنية. في العام 2011، تمّ استدعائي إلى المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت لأترأّس معهد أبو حيدر لعلوم الأعصاب الذي يعنى بعلم الأعصاب وجراحتها وبالطب النفسي فغادرت هارفرد لكنّني وافقت على الاستمرار في العمل كبروفيسور زائر في الجامعة. كان لبنان والمنطقة يفتقران لدى مجيئي إلى المراكز العيادية المتخصّصة في التصلّب العصبي المتعدد، فارتأينا تأسيس مركز التصلب العصبي المتعدد ضمن المركز الطبي للجامعة. لقد تنحّيت مؤخرًا عن كرسيّيي في هارفرد لكنّني لا زلت منخرطة في اختبارات بحثية واسعة النطاق في الولايات المتحدة.

متى تمّ تأسيس مركز التصلب العصبي المتعدد في بيروت؟
الواقع أن التصلب العصبي المتعدّد مرضٌ مثير للاهتمام إذ يتداخل فيه مجالان طبيان في غاية الأهمية: علم المناعة وعلم الأعصاب. المركز هو الأوّل من نوعه في لبنان والمنطقة وقد تمّ إطلاقه في تشرين الأول من العام 2011. لقد قمت حينها بمقابلة واختيار فريق العمل بكامله وهذا الأخير يتألّف حاليًا من طبيبين، أنا ودكتور يموت، وممرّضتين حائزتين على شهادة تمريض في التصلب المتعدد تحديدًا، صيدلي، مدير إداري، أخصائي اجتماعي ومساعدين تنفيذيين. هناك أيضًا بعض علماء النفس الذين يقصدون المركز بعد انتهاء دوام العمل لإدارة جلسات دعم المرضى. بالإضافة إلى فريق العمل السريري، في المركز أيضًا فريق بحوث يتكوّن من منسّق بحوث، مدير مختبر وزميلين باحثين.

عند وصول المريض إلى المركز، تقوم الممرضّة باستقباله أولًا لأخذ المعلومات اللازمة منه وإخضاعه لاختبار المشي ولفحص يحدّد سرعة العمليات الإدراكية لديه وآخر يحدّد وظيفة وفاعلية يديه. بعد ذلك، يقوم الصيدلي بالتحقّق من كافّة الأدوية والعقاقير التي تناولها سابقًا أو مؤخّرًا ويوثّق تاريخه الطبي في هذا الإطار وبعد الحصول على كافّة المعلومات اللازمة، أقوم باستقبال المريض لتقييم هذه المعلومات وفحصه والقيام بالتشخيص.

ما هو مرض التصلب العصبي المتعدد؟
يعمل جهاز المناعة لدى الإنسان على محاربة الجراثيم والميكروبات والخلايا السرطانية ومراقبة حسن سير الأمور داخل الجسم بشكلٍ مستمر. ويتولّى هذا الجهاز مهمّة الدفاع عن الجسم عن طريق التعرّف على المستضدّات (antigens)- مواد غريبة على سطح الخلايا-  وإزالتها. في حال التصلب العصبي المتعدد، كما هي حال كافّة أمراض المناعة الذاتية، يتعامل جهاز المناعة مع المضادات الذاتية غير الضّارة على أنّها أجسام غريبة ويبدأ بمهاجمتها، وهو يخطىء تحديدًا في التعرّف على المايلن (Myelin) وهي طبقة عازلة تحيط  بالألياف العصبية وتحميها فتسهّل انتقال الإشارات والرسائل العصبية من الدماغ إلى مختلف أعضاء الجسم. حين يخفق جهاز المناعة في التعرّف على المايلن، يقوم بإطلاق ردّة فعل دفاعية ضدّه ما يؤدي إلى التهاب وإلى تمزّق في هذا الغلاف. فقدان غشاء المايلن من شأنه تعطيل مرور الرسائل العصبية وقد يسفر في نهاية المطاف عن تلف في الألياف العصبية. 

قد يحصل الالتهاب الآنف الذكر في إحدى مناطق الدماغ أو في العمود الفقري وعادةً ما تختلف الأعراض لدى المريض باختلاف موقع الألياف العصبية المتأثرة. وعليه، يختبر مرضى التصلب العصبي المتعدد أعراضًا مختلفة تشمل على سبيل المثال لا الحصر اضطرابات في الرؤية، دوار، وخز أو وهن في اليدين أو القدمين، رعشة، مشاكل في المثانة، إلخ. لكنّ هذه الأعراض قد تظهر لدى الإصابة بأمراض أخرى على حدّ سواء وبالتالي فهي لا تعدّ عاملًا حاسمًا في تشخيص التصلب العصبي المتعدد. لذلك، فإنّه من الأهمية بمكان أن يعمد الطبيب إلى الغوص والتدقيق في التاريخ الطبي لكلّ مريض مع الأخذ بعين الاعتبار الفئة العمرية والأعراض السريرية المرافقة. لا يمكن إنكار دور تكنولوجيا التصوير بالرنين المغناطسي في مساعدة الطبيب، لكنّ تشخيص التصلب العصبي المتعدد يبقى تشخيصًا عياديًا بحتًا.

ماذا عن العلاج؟
تتعدّد الخيارات العلاجية والأدوية المتاحة أمام المصابين بالتصلب العصبي المتعدّد. والواقع أن العلاج هو عملية فرديّة وطويلة المدى وينبغي مراقبة المريض عن قرب خلالها. ينصح المرضى بزيارة الطبيب دوريًا وفي حال اتّضح لنا أن الأدوية التي كنا قد وصفناها أخفقت في مكافحة وتلطيف الأعراض أو إيقاف نشاط المرض، قد نضطرّ إلى تغيير معدّل الجرعات أو تغيير العلاج المعتمد بأكمله. لحسن الحظ، تعي وزارة الصحة أنّ كلفة العلاج تتخطى إمكانيات العديد من المرضى وهي تقوم بتغطية كلفة الأدوية على نفقتها الخاصة، أمّا المركز فيساعد ذوي الدخل المحدود من خلال نشاطات جمع التبرعات التي تنظّمها مجموعة أصدقاء مرض التصلّب العصبي المتعدّد التي تدعم المركز.

هل من أمل في الشفاء من التصلب العصبي المتعدد؟
لا يمكن الشفاء نهائيًا من مرض التصلب العصبي المتعدد ولكن هذه هي حال كافة الأمراض. فالأمراض القلبية والسكري وحتى ضغط الدم المرتفع أمثال شائعة عن الأمراض التي لا يمكن الشفاء منها تمامًا. ولكن هناك العديد من الآليات العلاجية الفعّالة التي تخفّف من حدّة الأعراض وتعيق تطوّر المرض وتحسّن نوعية الحياة. لسوء الحظ، يتداول الناس العديد من المغالطات والتصورات الخاطئة حول هذا المرض وهم يعتقدون أن مآل مرضى التصلب العصبي المتعدد هو الموت أو الشلل لا محالة، لكنّنا نسعى حاليًا إلى فضح زيف هذه المعتقدات من خلال حملات التوعية والحلقات التثقيفية التي ننظّمها حول هذا الموضوع. حتّى أنّنا قمنا بالتعاون مع وزارة الصحة بإنتاج فيديو خاص يهدف إلى إيصال صورة حقيقية وايجابية تنصف هذه المرض وتحرّره من التشاؤم المحيط به لكنّه للأسف لا يلقى الحيز الكافي من التغطية خلال الإعلانات التلفزيونية. إذا تمّت السيطرة على المرض وإدارة الأعراض كما ينبغي، يمكن لمرضى التصلب العصبي المتعدد ممارسة حياتهم بصورة طبيعية وفعّالة وما من شيء يعيقهم من تأسيس عائلة وتدبّر أمورهم شأنهم شأن أي شخصٍ آخر. 

في أي سنٍ يبلغ التشخيص ذروته؟  
عمومًا، تظهر الأعراض بالصورة الأكبر لدى الأشخاص بين العشرينيات والثلاثينيات من العمر، لكن هذا لا ينفي واقع أنّ المرض يمكن أن يصيب أطفال لا يتجاوز عمرهم أحيانًا الست سنوات أو مسنين في الستين من العمر.

ما الذي يسبّب التصلب العصبي المتعدد؟
يظهر المرض نتيجة مجموعة من العوامل الجينية والبيئية المشتركة. ترفع العوامل الجينية خطر الإصابة بالتصلب العصبي المتعدد بنسبة 30% وما من جينة واحدة مسؤولة عن التسبّب به وإنّما هو نتيجة التقاء مجموعة من الجينات المختلفة. إذا افترضنا أن أحد التوأمين المتماثلين مصابًا بالمرض، فإن الآخر معرّض لتطوير الحالة المرضية نفسها بنسبة 30% فقط. أمّا لو كانت الجينات السبب الرئيس والوحيد للمرض، لكان  التوأم الثاني أصيب حتمًا بالتصلب العصبي المتعدد كونه يحمل الحمض النووي نفسه.

في المقابل، يزداد خطر الإصابة بنسبة 70% بفعل العوامل البيئية، وقد خلصت الدراسات إلى تحديد بعض هذه العوامل ونذكر منها نقص في الفيتلمين D، التعرّض لفيروس EBV والتدخين، لكنّ البحث لا يزال جارٍ لاكتشاف المزيد من العوامل المؤثرة.

هل كان من الصعب عليك التوفيق بين العمل والعائلة؟
الآن وبعد أن كبر أولادي، بات الوضع أسهل ممّا كان عليه في السابق. بعض الأمور تستدعي المجهود والتضحيات لكنّ وجود زوجٍ داعمٍ إلى جانبك أساسي لتخطي كافّة الظروف.  

اترك تعليقا