مذكرات وأسرار هروب نوري السعيد - صالح البصّام
كانت قوانين كلية الطب تنصّ أن يقضي الطبيب المتخرج سنة تدريب في ردهات المستشفى الملكي، أثناء عمله فيها وقعت حادثتان مروعتان، الاولى مقتل الملك غازي عام 1939 جرّاء اصطدامه بأحد أعمدة الكهرباء والحادثة الثانية إصابة وزير المالية رستم حيدر بطلق ناري عام 1940 أُدخل جرّاءه المستشفى الملكي حيث أجرى له البصام عملية مستعجلة قبل أن تسوء حالته ويفارق الحياة.
عام 1953 تُوّج الملك فيصل الثاني ملكاً على العراق، في وقت كانت تجمع الكاتب علاقة صداقة متينة بالشريف حسين، الذي اختار دار البصام المطلّة على الفرات لاستضافة المندوبين البريطانيين وكان نوري السعيد جار الكاتب في ذلك الوقت... يشير في أحد فصوله عن عشاء حضره السفير البريطاني مايكل ريت وزوجته وعدد من موظفي السفارة إضافة للملحق الشرقي في منزل الكاتب، ولفت إنتباهه في تلك الجلسة الحديث الدائر بين الضيوف حول ضرورة تغيير الحكام العراقيين لفسح المجال أمام المثقفين من الشباب لإدارة البلاد... وما هي إلا عشرة أيام حتى وقع الانقلاب في 14 تموز عام 1958... فتساءل الكاتب لماذا سمح الإنجليز للأحداث أن تأخذ منحاها دون أن يتدخلوا أو يعطوا إشارة للحاكمين أو للملك فيصل الثاني لاتخاذ ما يلزم لمنع حدوث الكارثة التي أودت بحياة الملك الشاب والكثير من أفراد العائلة المالكة؟ «إن ما حدث في 14 تموز جعلني أعيد التفكير بكثير من الأشياء، ومنها احتمال أن يداً للإنكليز فيما حدث في العراق»
الشريف حسين بن علي تم إنقاذه ونقله إلى السفارة السعودية حيث استطاع البصام أن يزوره في مبنى السفارة قبل لجوئه وعائلته إلى مصر و من ثم إلى أوروبا. أما نوري السعيد ... أخفى البصام في منزله الواقع على ضفاف دجلة نوري السعيد الذي كان رئيس وزراء ووزيرا في كثير من حكومات العهد الملكي العراقي، وحماه من الجنود والضباط الثائرين، الباحثين عنه، من خلال إجراءات نقل سرية إلى بيوت تعود لعائلته في منطقة الكاظمية على أطراف بغداد، حتى اللحظة التي قرر فيها السعيد الانتحار عند اكتشاف أمره، ووصول جنود من وزارة الدفاع على رأسهم مرافقه السابق وصفي طاهر لإلقاء القبض عليه. الملفت أن رواية الدكتور صالح في سيرته تؤكد على انتحار نوري السعيد، أي أن السعيد كان ميتاً عندما قام الطاهر بإطلاق الرصاص على جثته، وهي بعكس الروايات التي تفيد بقتله على يد وصفي طاهر وجنوده؛ وبدل أن يرقد بسلام، نبش بعض الغوغاء القبر وقطّعوا جثتة إربا إربا.
أُلقي القبض على الدكتور صالح البصام بتهمة إخفاء نوري السعيد ومساعدة رجال الحكم الملكي، وحكم عليه بالسجن لمدة سنة، وبعد نفاد المدة التي وصفها في سيرته إنها كانت محنة حقيقية حيث كان بعض الحاقدين يخططون أن يبقى في السجن لمدة أطول وسارع بعد إطلاق سراحه، للسفر إلى بريطانيا، آسفاً ما أصاب العائلات العراقية التي كانت تعيش في قمة الهرم الاجتماعي ثم فجأة وجدت نفسها في المنافي والغربة.
مذكرات الدكتور صالح البصام الصادرة عن دار الإنتشار العربي بطبعتها الأولى عام 2003 هي بمثابة دعوة لإعادة الملكية للعراق، فيها حنين لأيام عاش العراقيون في ظلها، موثّقاً هو، الشاهد، ما لم يسجله التاريخ العراقي الحديث، مستنكرًا الدسائس التي كانت تُحاك ضد النظام الملكي وأهل العراق من قبل جهات عديدة من ضمنها الحلفاء، الأصدقاء وحتى هؤلاء الذين شاركوا في النظام، آملاً العودة وكل العراقيين إلى وطنهم وإستعادة بيوتهم وأملاكهم التي إستحوذت عليها الأنظمة المتعاقبة عن طريق المصادرة و الإستملاك المتعسّف. يثير الكتاب تساؤلات عديدة تتجاوز التعابير المتداولة حول «الوطنية» و»العمالة»، منبّهاً إلى لعبة الدول الكبرى في بلادنا...
عام 1953 تُوّج الملك فيصل الثاني ملكاً على العراق، في وقت كانت تجمع الكاتب علاقة صداقة متينة بالشريف حسين، الذي اختار دار البصام المطلّة على الفرات لاستضافة المندوبين البريطانيين وكان نوري السعيد جار الكاتب في ذلك الوقت... يشير في أحد فصوله عن عشاء حضره السفير البريطاني مايكل ريت وزوجته وعدد من موظفي السفارة إضافة للملحق الشرقي في منزل الكاتب، ولفت إنتباهه في تلك الجلسة الحديث الدائر بين الضيوف حول ضرورة تغيير الحكام العراقيين لفسح المجال أمام المثقفين من الشباب لإدارة البلاد... وما هي إلا عشرة أيام حتى وقع الانقلاب في 14 تموز عام 1958... فتساءل الكاتب لماذا سمح الإنجليز للأحداث أن تأخذ منحاها دون أن يتدخلوا أو يعطوا إشارة للحاكمين أو للملك فيصل الثاني لاتخاذ ما يلزم لمنع حدوث الكارثة التي أودت بحياة الملك الشاب والكثير من أفراد العائلة المالكة؟ «إن ما حدث في 14 تموز جعلني أعيد التفكير بكثير من الأشياء، ومنها احتمال أن يداً للإنكليز فيما حدث في العراق»
الشريف حسين بن علي تم إنقاذه ونقله إلى السفارة السعودية حيث استطاع البصام أن يزوره في مبنى السفارة قبل لجوئه وعائلته إلى مصر و من ثم إلى أوروبا. أما نوري السعيد ... أخفى البصام في منزله الواقع على ضفاف دجلة نوري السعيد الذي كان رئيس وزراء ووزيرا في كثير من حكومات العهد الملكي العراقي، وحماه من الجنود والضباط الثائرين، الباحثين عنه، من خلال إجراءات نقل سرية إلى بيوت تعود لعائلته في منطقة الكاظمية على أطراف بغداد، حتى اللحظة التي قرر فيها السعيد الانتحار عند اكتشاف أمره، ووصول جنود من وزارة الدفاع على رأسهم مرافقه السابق وصفي طاهر لإلقاء القبض عليه. الملفت أن رواية الدكتور صالح في سيرته تؤكد على انتحار نوري السعيد، أي أن السعيد كان ميتاً عندما قام الطاهر بإطلاق الرصاص على جثته، وهي بعكس الروايات التي تفيد بقتله على يد وصفي طاهر وجنوده؛ وبدل أن يرقد بسلام، نبش بعض الغوغاء القبر وقطّعوا جثتة إربا إربا.
أُلقي القبض على الدكتور صالح البصام بتهمة إخفاء نوري السعيد ومساعدة رجال الحكم الملكي، وحكم عليه بالسجن لمدة سنة، وبعد نفاد المدة التي وصفها في سيرته إنها كانت محنة حقيقية حيث كان بعض الحاقدين يخططون أن يبقى في السجن لمدة أطول وسارع بعد إطلاق سراحه، للسفر إلى بريطانيا، آسفاً ما أصاب العائلات العراقية التي كانت تعيش في قمة الهرم الاجتماعي ثم فجأة وجدت نفسها في المنافي والغربة.
مذكرات الدكتور صالح البصام الصادرة عن دار الإنتشار العربي بطبعتها الأولى عام 2003 هي بمثابة دعوة لإعادة الملكية للعراق، فيها حنين لأيام عاش العراقيون في ظلها، موثّقاً هو، الشاهد، ما لم يسجله التاريخ العراقي الحديث، مستنكرًا الدسائس التي كانت تُحاك ضد النظام الملكي وأهل العراق من قبل جهات عديدة من ضمنها الحلفاء، الأصدقاء وحتى هؤلاء الذين شاركوا في النظام، آملاً العودة وكل العراقيين إلى وطنهم وإستعادة بيوتهم وأملاكهم التي إستحوذت عليها الأنظمة المتعاقبة عن طريق المصادرة و الإستملاك المتعسّف. يثير الكتاب تساؤلات عديدة تتجاوز التعابير المتداولة حول «الوطنية» و»العمالة»، منبّهاً إلى لعبة الدول الكبرى في بلادنا...
اترك تعليقا