السفرة إلى أميركا
وعند المخرج، سمعت رجلًا يقول: من أنيس فريحة، من أنيس فريحة؟ وكان نجيب ضومط يسير أمامي، فقال له، عندما وصلنا إليه: هذا هو أنيس فريحة. صُعقت! من يعرفني في هذه المدينة التي لم أسمع باسمها؟
قال: أنا المستر دافيدسون، أبة مارغريت زوجة... (ولا أذكر اسمه) التي علّمتها العربيّة، وهي في طرابلس الآن. كتبت إلينا، لتقول إنّك تصل إلى أميركا في هذا اليوم.
والظاهر أن مارغريت (وتذكّرتها جيّدًا) أخذت معلومات من شركة فابرلين، فكتبت إلى أهلها ليستقبلوني، ويساعدوني في أمر سفري.
سررت جدًا بهذا اللقاء، وقلت: مفاجأة سارّة جدًا. ثمّ التفت إلى صبيّة جميلة واقفة إلى جنبه و قال: هذه ابنتي ملدرد التي تسوق السيّارة، وزوجتي قد أعدّت لك إفطارًا أميركيًا، كي تتعرّف إلى حضارة أميركا من خلال المطبخ. وصافحت الفتاة، وتقدّم المستر دافيدسون، وأخذ الحقيبة، وحملت أنا الأخرى وسرنا إلى السيارة. وأنت يا نجيب؟ قال: أنا مسافر إلى نيويورك، وأراك في لبنان إن شاء المولى!
كان إفطارًا أميركيًا عظيمًا. خبز ذرة طازج معجون بالحليب، بيض مقلي مع شرائح لحم الخنزير المملّح، قهوة، وكريما وجبنة متنوّعة الأصناف، وعدد من أنواع المربّى.
وكان حديثنا يدور حول لبنان. تريد الأمّ أن تعرف الكثير عن طرابلس: البيوت، المخازن، المآكل، وعن أحوال المعيشة في لبنان. وكنت قد ابتعت في بيروت علبة بقلاوة، أردت أن أهديها إلى الأستاذ في شيكاغو. واكنّني قررت أن أعطيها لهذه العائلة الكريمة. وقمت إلى الحقيبة، وأخرجت البقلاوة، ووضعتها على المائدة. أكلوا منها واستطابوا، وقالت الزوحة مخاطبة زوجها: إنّ البلد الذي يصنع هذه الحلوى بلدٌ متحضّرٌ، ولا شكّ.
واستأذن الرّجل ليذهب إلى مكتبه، وكان موظّفًا في السّكة الحديديّة، وقال: ابنتي ملدرد تريك المدينة. مدينتنا قديمة وجميلة ونفخر بها. وأعود ظهرًا، ونتغدّى، ثمّ نأخذك إلى القطار.
اترك تعليقا