الجمعية المعلوماتية لخدمة المجتمع المدني-منصّةٌ معلوماتية ترتقي إلى مسؤوليتها الاجتماعية

بحكم عملهم وتجوالهم وسط الأحياء والشوارع البيروتية، كان من الطبيعي أن يستهجن هؤلاء الكمّ الهائل من التجاوزات والمخالفات المرورية التي يرتكبها المواطن أو السائق اللبناني، عن قصد أو غير قصد، من دون حسيبٍ أو رقيب ومن دون الحدّ الأدنى من المراعاة الواجبة لحقوق الآخرين وحرياتهم. خلافاً للأكثرية الساحقة التي تتأفّف وتتذمّر دون أن تحرّك ساكنًا، ارتأى هؤلاء التعبير بطريقة تجمع بين الحنكة والابتكار والطرافة عن امتعاضهم من المخالفات الحاصلة وعن حقّهم المشروع في التبليغ عن المخالفين، علّهم يقدّمون في ذلك عبرةً لمن اعتبر ويخلقون سابقة يحثّون من خلالها المواطن على أن يحذو حذوهم ويمارس مسؤوليته ومواطنيته في بلدٍ يعدّ فيه تطبيق القوانين مجرّد فورة موسمية.

هكذا كانت الشرارة الأولى لإطلاق حملة «كمشتك» المنبثقة عن الجمعية المعلوماتية لخدمة المجتمع المدني ITvism (www.itvism.com) تأسست الجمعية كمبادرة غير ربحية عام 2011 واضعةً نصب عينها نشر الوعي والثقافة المعلوماتية وتدريب جمعيات المجتمع المدني على أحدث وسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى إنشاء وإدارة مواقع إلكترونية تعنى بهذا الشأن وتوظّف في خدمة القضايا الاجتماعية. تعمل الجمعية باحتضانٍ من شركة KAZAMEDIA وهي حصيلة اندماج ومواءمة بين ثلاث مكوّنات: حملة WEDIA التي أطلقت عام 2010 على يد مجموعة من هواة ومحبي تكنولوجيا المعلومات لتعزيز الحضور الالكتروني للجمعيات وإضفاء الطابع المهني على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها، المهارات والخبرات التقنية التي تملكها ITvism، وحملة “كمشتك” التي أخذت على عاتقها المساهمة في تعميم ثقافة المحاسبة وحكم القانون وتعزيز دور المواطن والمجتمع المدني وأصحاب الحق في المشاركة الفاعلة في الشأن العام وتغيير السلوكيات والممارسات الملتوية وكسر الصمت السلبي وسياسة التغاضي والاعتكاف عن ممارسة الفعالية في شؤون وشجون الحياة اللبنانية اليومية.

تعتزم الحملة إرشاد المخالف ولفت نظره إلى المخالفة التي ارتكبها بعيدًا عن الصورة المعهودة والتقليدية ومن دون تكبيده عناء تسديد الغرامات المرورية ومحاضر الضبط، فهي ترسل مجموعة من الشباب المتطوّعين إلى “الميدان” لرصد السيارات المركونة “صف ثاني”، أو على الرصيف أو في أماكن غير مخصّصة للوقوف، ووضع ملصقات “كمشتك” عليها، ثمّ تصويرها وتنزيلها مع رقم لوحة السيارة على موقع “كمشتك” كنوعٍ من التنبيه عوضًا عن العقاب. 

“ترسل حملة “كمشتك” مجموعة من الشباب المتطوّعين إلى “الميدان” لرصد السيارات المركونة “صف ثاني”، أو على الرصيف أو في أماكن غير مخصّصة للوقوف، ووضع ملصقات “كمشتك” عليها“

يقول أحمد قاروط، رئيس الجمعية المعلوماتية لخدمة المجتمع المدني إنّ الحجم العددي لعناصر درّاجي السير  في بيروت محدود جدًا ولا يتيح إمكانية ضبط المخالفات كافّة وقد أتت “كمشتك” لتساعد على تنفيس الاحتقان المروري وتساعد الأجهزة الرسمية المختصة والمواطن على حدّ سواء عبر الترويج لحكم القانون من خلال حلول بسيطة ومعالجة حسّ اللامبالاة المستشري في صفوف اللبنانيين والمسؤول جزئيًا عن إطالة الأزمة وإبقائنا في مؤخرة الركب الحضاري.

التغيير الذي لمسه القيمون على الحملة كان في التجاوب الملحوظ لأجهزة الدولة مع الشكاوى الواردة إليها إلكترونيًا خصوصًا أن المخالفة غالبًا ما تكون موثّقة لدى مواقع قوى الأمن الداخلي وغرفة التحكّم المروري، والجمعية هي اليوم بصدد التفاوض والتنسيق مع وزارة الأشغال العامة والنفط لربط موقع “كمشتك” بموقع الوزارة. حقّقت الحملة وفقًا لقاروط ما كانت تبتغيه بمعنى أنّها أضاءت على المشكلة وفضحتها وأحالتها إلى الجهات الرسمية المعنية لمتابعة الموضوع ونظرًا لالتماسها تجاوبًا وردات فعل ايجابية، ارتأت الحملة توسيع نشاطها تباعاً لتلقي الضوء على تجاوزات مرورية أخرى تعرقل حركة السير وتسبّب اختناقًا في مداخل العاصمة وشوارعها، فانتقلت من الركن المخالف إلى رداءة حالة الطرقات والإنارة والحفر وحقّ المشاة في الأرصفة وهي تعتزم الاستمرار في مساعيها التوعوية والإصلاحية لاكتساب المزيد من الثقة والمصداقية. 

ومن جملة المبادرات التي تضطلع بها الجمعية، مبادرة جديدة قلّ نظيرها في مجتمع أقلّ ما يقال فيه إّنّه انتقائي في ممارساته الرقابية. فمن رصد الطرقات، انتقل ناشطو الجمعية إلى رصد الخطابات التحريضية في وسائل الإعلام اللبنانية من خلال وضع البرامج السياسية ونشرات الأخبار بما فيها من إعلاميين ومحاورين تحت المجهر بغية قياس مدى التحريض على الفتنة الممارس في الإعلام المحلي (www.fitnimeter.com). نظرًا لما في البلد من اصطفافات حزبية وطائفية ومذهبية، لا يقتصر تصنيف المادّة الإعلامية الخاضعة للاختبار على تصويت الجمهور فحسب، بل هناك لجنة محايدة من الخبراء الإعلاميين للمشاركة في التصويت على الأداء الإعلامي. يؤكد أحمد قاروط أن جلّ ما تبتغيه هذه المنصّة أو الأداة إن جاز التعبير هو التشديد على استقلالية وأكاديمية الإعلام ودفع الصحافيين أو البرامج التي تذكّي نار الفتنة والكراهية إلى إعادة النظر في أدائها. 

“من رصد الطرقات، انتقل ناشطو الجمعية إلى رصد الخطابات التحريضية في وسائل الإعلام اللبنانية من خلال وضع البرامج السياسية ونشرات الأخبار بما فيها من إعلاميين ومحاورين تحت المجهر بغية قياس مدى التحريض على الفتنة الممارس في الإعلام المحلي“

وحول موقفه من وسائل الإعلام التقليدية، أشار قاروط إلى أنّ التلفاز لا يزال المصدر الأول للمعلومات والصحف العنوان الأول للمصداقية في لبنان، لكنّه أكّد في الوقت عينه على أهمية الترحيب بالوسائل الإعلامية البديلة والتعايش معها والاستفادة ممّا يمكن أن تقدّمه وتسخيرها في خدمة قضايا تخدم المجتمع المدني وقضايا الناس. 

اترك تعليقا