مايا مرجي يونس - رئيسة مجموعة التسويق في البنك اللبناني للتجارة

إلى أي مدى أنت قادرة على الحفاظ على التوازن بين العمل والعائلة؟

لقد شاركت مؤخرًا في مؤتمر حول النساء في مناصب القيادة بوجود نحو 150 امرأة واتّخذت هذه المسألة حيّزًا هامًا من النقاش لدى تبادلنا التجارب كنساء عاملات وأمّهات في نفس الوقت. أنا شخصيًّا أعتقد أنّ مفهوم التوازن بين المسؤوليات الأسرية والعائلية مفهوم وهمي وغير موجود (Myth). فالتوازن يعني تخصيص الوقت والاهتمام بصورة منصفة بين المنزل والمكتب وإعطاء العائلة وفريق العمل فرصًا متساوية. لكن قضاء اثنتي عشرة ساعة في مكان العمل يوميًا يعني تلقائيًا إجحافًا بحق الأسرة وأولادي وحتى وبحق نفسي إذ بالكاد تتسنّى لي فرصة الاستراحة أو ممارسة الرياضة أو أخذ العطل. من غير الممكن للنساء في مناصب قيادية أو متقدّمة التخلّص من الشعور بالذنب لتقصيرهنّ تجاه العائلة والأولاد. أنا لا أدعي أنني أوازن، بل أقوم بالإدارة إن جاز التعبير وأحاول أن أعوّض عليهم قدر المستطاع من خلال قضاء وقت فريد معهم. لا أعتقد أنّ ولديّ كانا ليكونان أفضل مما هما عله اليوم لو كنت ربّة منزل مع كل احترامي وتقديري للأمهات اللواتي يلتزمن إدارة شؤون المنزل والعائلة لأنّ هذه المهمة وظيفة بدوام كامل ومسؤوليات كبيرة. لكنّ عمل المرأة يقدّم قدوةً ونموذجًا لأولادها ويجعلهم يدركون منذ سنّ مبكرة أن الحياة نضال مستمر وأنّ من جدّ وجد وأن التعب والشقاء والمثابرة هي تذاكرنا للنجاح والتفوق.

بالحديث عن المرأة، هلّا حدّثتنا قليلاً عن مبادرة تمكين النساء WE Initiative التي أطلقها البنك اللبناني للتجارة BLC منذ نحو عامين؟ من كان وراء الفكرة وإلامَ هدفت هذه المبادرة؟

ساهمت مبادرة تمكين النساء WE Initiative في تغيير وتبديل الثقافة الداخلية في المصرف وجعلته يسجّل أسبقية ريادية كأول مصرف يعنى بتمكين المرأة وتنمية أعمالها وتقديم منتجات وخدمات مصرفية مصممة وموجهة خصيصاً للنساء. والواقع أنّنا استوحينا المبادرة انطلاقًا من رؤية BLC وتصورّه لكيفية دعم الاقتصاد اللبناني. فارتأينا أن الدعم يكون من خلال تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تمثّل 90% من التوظيف في القطاع الخاص، ما يعني أن مدّ يد العون إليها سينعكس حكمًاعلى الناتج القومي المحلي للبلد ويحقّق رؤيتنا في مساندة الاقتصاد.

لقد كانت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المظلة التي انطلقنا من خلالها للتوجه إلى النساء في مجال الأعمال خصوصًا ومن ثمّ إلى النساء عمومًا، من صاحبات المشاريع، إلى السيدات ذوات المناصب التنفيذية، إلى الموظفات وحتى الأمهات وسيدات المنزل خصوصًا أنّ النساء يشكّلن 51% من السكان في لبنان، وهنّ شريحة تعاني من نقص في الخدمات كما أنّها تعتبر فرصة ضائعة ينبغي استغلالها اقتصاديًا. لهذه الغاية، قمنا بالتعاون مع فريق من الاستشاريين في المؤسسة المالية الدولية التابعة للبنك الدولي لوضع تصوّر للخدمات المصرفية التي من شأنها مساعدة المشاريع الصغيرة والتوسطة التي تديرها النساء بشكلٍ خاص.

أجرينا بحث سوق قمنا من خلاله بتقييم الحاجات على المستوى الوطني لدى النساء من مختلف الخلفيات والمسارات وتمكنا من خلال حلقات النقاشات أن نجمع المعلومات لفهم المعوّقات والتحديات والهواجس التي تواجه النساء وقدّمنا المشروع إلى الإدارة. وهكذا أطلقنا المبادرة التي أحدثت تغييراً جذريًا في العقلية السائدة حول النساء وتحولّت اليوم إلى ثقافة مترسّخة داخل المصرف. لقد تجاوزنا مفاهيم القروض والمنتجات المصرفية التقليدية وقدمنا للنساء أكثر من مجرّد خدمات ماليّة فوفّرنا لهنّ فرص التعليم والتدريب، وفرص للتواصل وإقامة شبكة من المعارف (networking)، ناهيك عن المشورة والإرشاد (mentorship).

حتى أننا عمدنا إلى تحسين أداء الخدمة المصرفية وباتت مقاربتنا للتعاطي مع النساء وحاجاتهنّ أكثر شمولية وجدية. عندما تقصد المرأة مصرفًا ما، غالبًا ما تصطدم بأسئلة تتمحور حول زوجها عوضًا عنها هي وكأن الظل الذكوري يرافقها أينما حلّت. فعمدنا أيضًا إلى التدريب على تبديل هذه العقلية وإلغاء هذه التحيّزات المرتكزة على أساس الجنس، وأطلقنا على هذه التحيزات صفة التحيزات غير الواعية أو الباطنية لأنها نتيجة لموروثات ومفاهيم خاطئة حول المرأة ودورها ومكانتها تمّ تناقلها من جيل إلى جيل حتى أصبحت في صلب التربية المنزلية والمجتمعية للأسف. نحن لسنا ناشطات في مجال حقوق المرأة ولسنا هنا للمطالبة بالمساواة والتنديد بالغبن اللاحق بالنساء، جلّ ما نبتغية هو إعطائها التمكين الاقتصادي عبر خلق فرص متساوية للتطور والنمو.

كيف كان التجاوب مع هذه المبادرة؟

لقد تم الاعتراف بالمبادرة عالميًا وسجّل المصرف أسبقية ريادية مع تبوء أحد أعضائه- تانيا مسلّم- منصب نائب رئيس التحالف العالمي (Global Banking Alliance) لتمكين المرأة الذي يضم مجموعة من أعرق المؤسسات المالية والمصرفية الدولية، التي تعمل ضمن مبادرات خاصة ومشتركة في سبيل تسهيل انخراط النساء في عالم الأعمال والأسواق المالية والمصرفية, كما أننّا نشارك مرّة كل سنة في القمة التي يقيمها GBA لتبادل التجارب والخبرات والحديث عن كيفية تجاوزنا للمعوّقات والعقبات ونجاحنا في تعميم مفاهيم جديدة حول المرأة في مجال الأعمال.

على المستوى المحلي، لمسنا تغييراً في المعتقدات السائدة وساهمت المبادرة في رفع أرصدة المصرف إعلانيًا، لقد أيقظ البرنامج ماردًا نائمًا وخلق اتجاهات جديدة في السوق، كما بينّت الأرقام تحسينًا ملحوظًا في الإقبال النسائي وهذا ما كنا نهدف إلى تحقيقه، أن يصبح المصرف مرجعًا لكل امرأة. كان التجاوب أولًا مع الفكرة لأنها كانت مختلفة عمومًا عن ثقافة المصارف التي تتكلّم بلغة القروض والفوائد وتتوجّه إلى الشباب. لذلك كانت مبادرة تخصيص النساء بالدعم المالي والفني والمعنوي لتمكينها وجعلها جزء من الدورة الاقتصادية فكرة خلاقة وحديثة خصوصًا أنها تتناول شريحة تمثّل نصف الشعب تعطي المرأة الراغبة في أن تكون جزءًا من هذا المجتمع حريّة اختيار الخدمة التي تناسبها وتلائم حاجاتها. نظّم المصرف عام 2014 وللمرّة الثالثة احتفال جوائز الإبداع اللبناني بفئتيه "مشروع العام" و"أفضل امرأة مبادرة" وقد بلغ عدد الطلبات في الدورتين السابقتين 260، نصفهم من النساء.

ما الذي يميّز المرأة عن الرجل في مجال الأعمال وما الصفات التي تلزمها للمنافسة والتفوق في هذا المضمار؟

تاريخيًا، لطالما كان الرجل مسيطرًا على قطاع الأعمال والنساء قدمن إلى هذا القطاع متأخرات نسبيًا. لقد ذهبنا إلى أستراليا ونيويورك وواشنطن وتركيا، وهذه الظاهرة موجودة أينما كان. مجتمعاتنا زاخرة بقوالب نمطية سلبية تضع المرأة دومًا في قطاعات التعليم والشعر والأزياء والموضة، لكنّ الواقع بعيد عن هذه الصورة وهناك العديد من النساء المبدعات في قطاع الأعمال والمصارف والهندسة والطب. حول ما يميّزها، أعتقد وببساطة أنّ «النساء لا يقمن بأمور مختلفة بل يقمن بالأمور نفسها على نحوٍ مختلف». المرأة تقارب الأمور من كافة الجوانب وتفكّر بطريقة أشمل. الأغلبية يحتجن إلى الثقة وإلى الايمان بالنفس والمثابرة وعلى ايجاد بيئة حاضنة تساعدهن على اتّخاذ الخطوة الأولى على الرغم من كافة التحيّزات والمعوّقات.

اترك تعليقا