ميشال نوفل - الحالات النفسية خلال الحمل

تعتبر التغيّرات النفسية بمعظمها تغيّرات طبيعية ومتوقّعة، خصوصًا أنّ معظم النساء الحوامل يختبرنها وإن بدرجاتٍ متوافتة. يثير الحمل تبدلًا على الصعيد النفسي لدى المرأة, وغالبًا ما تبدأ هذه الأخيرة بلمس هذا التبدّل فور اكتشافها أنّها حامل، فتغمر مشاعر الفرح والترقّب قلوب النساء اللواتي كنّ بصدد التخطيط للحمل وتنتاب الأخريات فوضى من المشاعر والأفكار في حال حصول حمل غير متوقّع.

خلال الأشهر الثلاثة الأولى، تتبدّل الحالات العاطفية لدى المرأة على نحوٍ سريع، فتشهد تقلّبات مزاجية مبالغ فيها وقد تصبح المسائل التي تبدو تافهةً في العادة مدعاةً للإنزعاج والتوتر والاكتئاب، وتبدو هذه التقلّبات الحادّة في المزاج جلية لدى بعض النساء الحوامل أكثر من سواهنّ، فهي عادةً ما ترتبط بشخصية المرأة والدعم العاطفي الذي تتلقّاه وهرموناتها والضغط الذي يفرضه المحيط. بالإضافة إلى ذلك، قد تتعرّض المرأة الحامل إلى خطر الإصابة بالإجهاض بنسبة 20% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، الأمر الذي قد يولّد لديها شعورًا بالقلق والخوف من احتمال فقدان الجنين.

تخفّ وطأة العواطف الجيّاشة شيئًا فشيئًا مع اقتراب النساء من فترة الثلاثة أشهر الثانية من الحمل، وعادةً ما تتبدّد مخاوفهنّ من الإجهاض وقلقهّن الجسدي خلال الشهرين الرابع والسادس. قد تزداد الرغبة الجنسية لدى النساء خلال هذه الفترة بفعل الترطيب المهبلي وتدفق الدم نحو منطقة الحوض. في المقابل، قد تدفع هذه المرحلة بالنساء إلى القلق من زيادة الوزن وغالبًا ما تولّد لديهنّ شعوراً بالثقل وعدم الرضا عن الجسد، وقد يراودهنّ القلق من إمكانيّة نفور الشريك وتراجع انجاذبه الجسدي تجاههنّ.

مع بلوغ النساء الحوامل الأشهر الثلاثة الأخيرة، تتزايد مشاعر الترقّب لديهنّ ويبدأن بالاستعداد نفسيًا وجسديًا للولادة. عادةً ما تستقرّ التناقضات العاطفية في هذه الفترة، وقد تصاب الأمّهات لأول مرّة بالارتياب والقلق من اختبار المخاض، أو من دخول عالم الأمومة. هنا، لا بدّ من أن يوفّر لهنّ أزواجهنّ والعائلة والأصدقاء الدعم اللازم لطمأنتهن وجعلهّن يشعرن بالتميّز خلال الشهر الأخير من الحمل.

قد تؤثر التغيرات النفسية التي يولّدها الحمل على سلامة المرأة بشكلٍ كبير كما على نمو الجنين في أحشائها. يتلقّى الجنين في طور نموّه إشارات مستمرّة من الأمّ وقد بيّنت الدراسات أن الإشارات الكيميائية تصله عبر المشيمة، بما فيها إشارات مرتبطة بحالة الأم النفسية، كما أشارت بعض البحوث إلى أن الاكتئاب لدى بعض النساء قد يؤدي إلى الولادة المبكرة ما يستدعي عنايةً طبية مختصّة بالجنين.

في دراسة حديثة حول تأثير الحالة النفسية للأم على تطوّر الجنين، تمّ إخضاع النساء لفحص الاكتئاب قبل وبعد الولادة، ثمّ تقييم مدى نمو المواليد الجدد. والمثير للاهتمام هو أنّ اتّساق المناخ السائد قبل وبعد الولادة شكّل العامل الأهم لتطوّر الأطفال. بمعنىً آخر، فإن الأطفال الأفضل نموًا هم أطفال الأمّهات اللواتي إمّا كنّ على خير ما يرام على الدوام أم في حالة اكتئاب على الدوام. أمّا التبدّل المستمر للصحّة النفسية، فقد اتّضح أنّه يعيق ويؤخر تطوّرهم.

تعتبر أشهر الحمل التسعة فترة مرهقة نفسياً على كلّ أم ترتقب استقبال مولودها، وإن استشارة الطبيب النسائي أو النفسي أو أي أخصائي ذي صلة تساعد النساء الحوامل على فهم ما يختبرنه، كما يمكن للنساء البحث عن الدعم من الشريك والعائلة والأصدقاء للتعاطي بطريقة أفضل مع هذه المرحلة ، فاعتناء المرأة الحامل بصحتها النفسية أمرٌ في غاية الأهمية لمصلحتها ومصلحة مولودها المنتظر، صبيًا كان أم بنت. 

اترك تعليقا