السّفرة إلى أميركا
وأقلعت روما قاصدة ميناء كونستانزا في رومانيا، لتفريغ حمولتها من الشّبان والشّابات اليهود. قالوا لنا سنبقى يومين فمن منكم أراد زيارة العاصمة بوخارست، فإنّ القطار السّريع يترك منطقة الميناء عند الثامنة صباحًا، وكنّا قد وصلنا إلى هذا الميناء سَحَرًا.
نزل الجمهور اليهودي الغفير، والأغنياء من الركاب توجّهوا إلى بوخارست، وبقي الدّراويش. فرُحنا نشاهد معالم المدينة. وكان أوّل نُضج الكرز، وكرزهم كبير الحجم، لذيذ الطعم. فكنّا نرى فتيات رومانيّات باللّباس البلدي، يبعن الكرز في سلالٍ صغيرة جميلة الصنع. واشتريت سلّةً وأبقيتها تذكارًا من رومانيا.
وتجوّلنا أكثر من مرّة في أسواق المدينة وشربنا، بصحبة الفتاتين التركيّتين خمرًا رومانيّة. ثمّ نعود مساءً إلى الباخرة.
ومن رومانيا رجوعًا إلى بلاد اليونان. ومررنا في كورنثس ومنها إلى مرفأ أثينا. وصعدنا لنتبرّك بمشهد الأكروبوليس بصحبة الفتاتين التّركيتين. وكنت قد تعرّفت إلى عظمة أثينا في أثناء درسنا الفلسفة وعلم الأخلاق. تلّة قدّمت للحضارة الإنسانية تراثًا لا يضاهيه تراثٌ آخر. ترحّمنا على فلاسفة اليونان، وعدنا إلى السفينة لتقلع بنا إلى مدينة بلارمو. وهي مدينة جميلة جدٍّا قضينا فيها سحابة نهار. وجاءنا دليل يقول: ألا تريدون أن تروا ما تبقّى من آثارٍ عربيّة؟ فترحّمنا على العرب وعدنا إلى السفينة.
ومن بلارمو سارت بنا السفينة إلى مدينة الجزائر. وهي مدينة رائعة. ولغة الناس فيها الإفرنسيّة. وكان الموسم موسم قطاف الكرز، وكرز الجزائر يفوق كرز رومانيا طعمًا.
في ميناء الجزائر، وعلى الرّصيف، شاهدنا أكداسًا من صناديق الخمر، والخمور الجزائرية الفاخرة كانت تصدّر إلى الولايات المتحّدة. قضينا في الجزائر ليلتنا، وفي الصباح الباكر، غادرت روما المحروسة قاصدة برشلونة في إسبانيا. وعلى رصيف الميناء في إسبانيا، شاهدنا أكداسٍا من أكياس البصل الإسباني المعدّة للشّحن إلى أميركا. وامتلأت عنابر روما بالبصل والخمر، وشكرنا المولى على كون روما مركبًا صغيرًا، إذ كنّا قد مللنا الانتظار في تلك الموانىء. نحن بشوقٍ لرؤية تمثال الحريّة في مرفأ نيويورك!
اترك تعليقا