البعث، داعش والفيفا
الأمور ليست كما تظهر، فلا البعث حقّق رسالته الخالدة من المحيط إلى الخليج ولا داعش يؤسّس لخلافة إسلامية نسترجع فيها معاوية وعمر، ولا الأندلس طبعاً، ولا الفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) يحيي لعبة كرة القدم في بلدان العالم أجمع كما يدّعي.
أليس مبكياً أن نرى العراق وسوريا مدمّرين؟ أليس مبكياً أن تعجز مصر عن إطعام 90 مليون مواطناً مصرياً؟ أليس مبكياً بل ومضحكاً أن يراهن اليسار والقوميون المعارضون لدول الخليج على تفاهم إيراني ـ أميركي؟ أليس مبكياً بل ومضحكاً أن تحاضر لنا دول الخليج بالديمقراطية وأن يطالب العراق بغزوٍ أميركي ليواجه غزوة داعش؟
سرياليٌّ ما نرى، مضحكٌ، مبكٍ، مأساوي، دموي، مدمر، قاتل، مستقبل أسود. إذاً لماذا هذه البسمة على وجوه الحكام سواء في دمشق أو بغداد أو طهران أو الرياض أو الدوحة أو القاهرة. هذا حتى لا نتكلم عن ابتسامة كيري في بغداد، ترى ما السبب؟ الجواب: البعث... داعش والفيفا.
ترى هل كان من الضروري أن يذكرنا داعش بوحدة بلاد الشام والعراق؟ ألم تظهر هذه الفكرة على شاشة حزبي البعث في العراق وسوريا منذ 1970 وحتى الغزو الأميركي للعراق عام 2003؟ ترى هل كان من الضروري أن يذكرنا داعش ويبرهن لنا أن دول الهلال الخصيب هي بمعظمها ريف وبدو؟ ألم يستنجد النظامان في بغداد ودمشق «بزعماء العشائر» حين هُدّدا من الغرب؟ زعماء عشائر وبعث؟ وبعد أكثر من ثلاثين عاماً من الحكم المطلق؟ واقع الأمر أن بلاد الشام والعراق هي أسوأ اليوم مما كانت عليه أيام بني عثمان. وهكذا انتهى الأمر بأن دمرت بلادنا وأثرتْ حفنة من أهل السلطة وداعش.
أما الفيفا، والذي يعلن أنه جمعية لا تبتغي الربح، فمن المرجّح أن تتجاوز إيراداته لهذا العام 4 مليارات دولار. لا كرة القدم اليوم أفضل مما كانت عليه منذ عشرات الأعوام ولا الرياضة توحد الشعوب أو ترتقي بها. ولنا في الحكمة والرياضي خير مثال إذ نُظّمت مباراتهم النهائية من دون جمهور حتى لا «نعلق طائفياً». إذن ما هو المشترك بين «البعث وداعش والفيفا»؟ حروب وسلطة ومال بغياب الجمهور المعني. فظاهر الأمور يختلف عن باطنها واللاعبون ليسوا كما يدّعون، وما الشّعارات إلا غطاء للتسلط والثروة والثلاثة هم بيادق في يد اللاعب الأكبر (أميركا وقوى المال في العالم) حيث أصبحوا طريقة للتعمية أو تحويل انتباه الشعوب. لقد نبّه نعوم شومسكي إلى أنّ القوى الكبرى السياسية والمالية تسعى دائماً إلى تحويل انتباه الشعوب وإلهائها عما هو أساسي وحيوي لها إلى ما هو مُشوق وغير مهم. المهم هو نحن وليس البعث أو داعش أو الفيفا. من نحن؟ ولماذا نحن على ما نحن عليه؟ وكيف نؤسّس لمستقبل آخر؟ هذه هي المسألة ولكننا مشغولون ببعث يحارب مع داعش في العراق وبعث يحارب ضد داعش في سوريا ولعبة قدم ليس لنا فيها فريق. ألعاب وحروب في غيابنا نحن الشعوب.
جواد نديم عدره
اترك تعليقا