ولاء اللبناني لطائفته وهم أم حقيقة ؟-الزعيم أولاً
الحقيقة: في الواقع، وفي حين يبقى التماهي بالطائفة سمة بارزة من سمات النسيج الاجتماعي والسياسي في لبنان، هنالك بعض الولاءات الأخرى المترسخة بشكلٍ أكبر من الولاء الطائفي، وهي تشكّل تهديداً للتوازن الهش لهذا البلد. بالرغم من أن الهوية الطائفية حالةٌ موجودةٌ في كافة الطوائف على حدّ سواء، تبقى الانتماءات الدينية في مرتبة أدنى لدى مقارنتها بغيرها من الانتماءات الأخرى.
أشارت دراسة أجراها كل من شارل حرب في قسم العلوم الاجتماعية والسلوكية في الجامعة الأميركية في بيروت و"الدولية للمعلومات" أن الولاء الأول والأخير للبنانيين هو لزعمائهم وهو يتفوّق على الولاء للجماعة، أو الطائفة أو الدين. وقد تضمنت الدراسة عينة تألفت من 1500 مستطلَع توزعوا في كافة محافظات لبنان. وحين طُلب إليهم تقييم أهمية بعض المسائل، بينت الدراسة أن المستطلعين وضعوا الانتماء للزعيم أو القائد في مقدمة العوامل التي يتماهون معها والتي شملت الطائفية، التقوى والمخاطر التي تهدد الجماعة. فعلى سلّم من 0 إلى 6 حيث 0 تعني لا ولاء إطلاقاً و6 تعني ولاء مطلقاً، سجّلت الزعامة 5.56. إلا أنه لا بدّ من الإشارة إلى أن 12.5% من العينة أكّدوا أنهم يرفضون التبعية لأي زعيم أياً كان ومهما كانت الظروف.
وقد خلصت الدراسة إلى نتائج أخرى ذات ارتباط بالولاء الطائفي، فعند تحرّي الدراسة عن المسائل التي لدى المستطلعين استعداد للدفاع عنها بالطرق السلمية، أتى استقلال لبنان، على عكس ما قد يتوقعه البعض، قبل الديانة والايديولوجيا، وعند قياس استعداد المستطلعين للدفاع عن قضية ما، أيضاً كان لاستقلال لبنان الحصة الأكبر، يليه الديانة والايديولوجيا، والأرجح أن هذه النتائج ستشكّل خبراً ساراً لدى البعض، خصوصاً في ظل المفاهيم العامة السائدة حول ولاء اللبنانيين لطوائفهم. إلا أن إحدى النتائج الأخرى للدراسة قد تكون مدعاةً للقلق، فصحيحٌ أن معدلات الاستعداد للدفاع عن الديانة أو الطائفة كانت أدنى من تلك المرتبطة بالدفاع عن استقلال الوطن، إلا أنها كانت أدنى من تلك المرتبطة بالدفاع عن الزعيم أو القائد أيضاً.
إن الخلاصة التي يمكن استنتاجها من نتائج هذه الدراسة هي أن ولاء اللبنانيين التام لزعمائهم يتقدّم على ولاءهم للطائفة أو حتى الوطن وهم على أتم الاستعداد للتضحية من أجلهم والدفاع عنهم، ولعلّ ذلك مردّه إلى قلقهم وفقدانهم الثقة بالدولة، وإلى ارتباط مصالحهم وأمنهم ومستقبلهم بهؤلاء الزعماء. ويقتنص الزعماء هذه الفرصة لتعزيز موقعهم وبناء علاقات شبيهة بالعلاقات الزبائنية مع مواليهم عن طريق تأمين الوظائف والخدمات لهم مقابل التزام هؤلاء بالدعم والولاء الكامل لهم، وهذا أمرٌ لا بد من تناوله بجدية وتذكره دوماً خصوصاً في ظل التقلبات في السياسات اللبنانية والاقليمية.
اترك تعليقا