في الجامعة الأميركيّة: كفاحٌ وجهاد

الحمد لله ! لديّ الآن دخل محترم ! ليرتان في اليوم الواحد. ولم يطل الوقت حتى ناولني البوّاب- وكان رجلاً عجوزاً اسمه أسعد، خدم بواباً قرابة نصف قرنٍ من الزمن- وريقةً وقال: أنت اسمك أنيس فريحة؟

قلت: نعم، وأخذت الوريقة وعليها بالانكليزية: Call on the Dean أي تفضّل لمقابلة العميد.

وذهبت إلى مكتبه. وكان من عادته أن يضع نظّاراته على أرنبة أنفه، وينظر إلى زائره من فوق بلّورة النّظارات. قال: أنت لا تحضر صلاة الصبح من الثامنة والنصف إلى التاسعة ! لماذا ؟ ألا تعلم أن الحضور إلزاميّ ؟ كان لكلّ منا كرسيّ مرقّم، وكان هناك مراقب يلاحظ الكراسي الشاغرة، ويبعث بها إلى العميد. منذ أكثر من شهرين، واسمي يصل إلى العميد: غائب ! قلت:

سيّدي في هذه الساعة، أعلّم بعض أفراد الإرسالية في مدرسة اللاهوت في زقاق البلاط. فتفرّس في وجهي، وقال: هل أنت بحاجة إلى العمل في هذه الساعة؟ ممنوع ! قلتُ: إذن لا أتغدّى في ذلك اليوم اليوم الذي لا أعلّم فيه. تفرّس أيضاً في وجهي ، وخفتُ. ولكنّه ابتسم ، وقلّ أن يبتسم، وقال معفيّ أنت من حضور الصلاة ! شكراً.

وانقضى الفصل الأول والفصل الثاني، ولم تكن الدرحات التي نلتها عالية باستثناء العربية والتاريخ. كنت أقضي شطراً من نهاري في السعي لكسب عيشي. أذكر أنّنا في الفصل الثاني من السّنة الأولى، وبعد دراسة الهندسة المجسّمة بدأنا درساً جديداً لم أفهم منه شيئاً: Trigonometry المثلّثات وما إليها.

كان أستاذنا عالماً في الرياضيات، قبل أن يمضي في الجامعة الأميركية سنة واحدة كأستاذ زائر. وكان مغرماً بلعبة التّنس، وقد لاعبته مراراً ، وتوثّقت بيننا صداقة متبادلة. وأخطأ الأستاذ دو (Dow)في تقييم موهبتي في الرّياضيات إذ كان قد وضعني في مرتبة شارل مالك الذي كانت علامته في الرياضيات لا تنزل عن المئة !  

اترك تعليقا