سعيد شعيا - ثورة1908 في الإمبراطورية العثمانية

ولد شاكر الخوري في بكاسين - قضاء جزين 1847، وتعلَّم في مدارس عدَّة في الشوف مرورًا بالمدرسة الوطنية التي أسَّسها المعلم بطرس البستاني، ولا شكَّ بأن وجود أبيه في دوائر الحكم والنفوذ سهَّل له الوصول إلى أماكن لم تكن متاحة ومتوفرة لعامة الشعب في حينه. فقد كان والده “يوسف الخوري” وكيلاً وكاتم أسرار “سعيد بك جنبلاط”، مما سهَّل له الحصول على توصية من “داوود باشا” متصرف جبل لبنان، لدخول مدرسة “قصر العيني” التي قام بتأسيسها محمد علي سنة 1827 في القاهرة لتدريس الطب. هذه المدرسة كانت تضم نخبة اللبنانيين والسوريين الذين عرفوا باسم “الشوام” أي ساكني بلاد الشام. ومن المعروف أنهم بدؤوا دراستهم هناك إلى أن بدأت الجامعة الأمريكية والجامعة اليسوعية بتدريس الطب في بيروت.

ولعلَّ من الجدير التوقف على ما ورد في الشهادة الطبية التي حاز عليها سنة 1874 مع عشرين من رفاقه، بأنه قد تخرج “بفضل الله والإحسان الخديوي”، “طبيبًا وحكيمًا”. نستعرض فيما يلي بعضًا من كتاباته:

“الحرية السياسية التي نلناها هي: خلاصنا من الجاسوسية والمراقبة، فالأولى تخربنا وتجعلنا محتالين غشاشين قاتلين، وتجعل حياتنا بيد مفسد دنيء يبيعنا حسب شهواته، والثانية تجعلنا في جهل وتأخر بحيث نرى أنفسنا أدنى من الحيوانات. فالمراقبة هي التي جعلت صاحب مطبعة كتابي أن يقول طبع في مصر، مع أنه طبعه في بيروت. والذي علَّمه الكذب هي المراقبة؛ فلا ظلم أمرّ من الجاسوسية، ولا ضعف أذلّ من المراقبة التي تفتكر أنَّ مجرد كتاب، أو حرف في كلمة، أو كلمة في جملة تخرّب المملكة وتتغير أفكار الرعايا، فأي كتاب لحد الآن عمل هذا العمل؟”.

لقد فرحت النخب اللبنانية بدستور 1908 الذي نادى بالحرية والإخاء والعدالة بين الجميع، بدون تفرقة بين عرق أو دين من رعايا المملكة العثمانية، ومن الواضح بأن فترة “السلطان عبدالحميد الثاني” على رغم ازدهارها العمراني في بلاد الشام، قد تركت أثرًا سلبيًا فيما يخص قانون المطبوعات والرقابة على أثر حكم السلطان المطلق، والممارسات القمعية في حق المنشورات من كتب ومجلات وجرائد.

ولا غرابة بأن يكون الدكتور شاكر الخوري الذي عايش فترة التنظيمات العثمانية، أي فترة ما يعرف بالمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع رعايا السلطنة، أن يكون بعد ثورة 24 تموز 1908 من الذين عملوا في سبيل الإصلاح، لأنهم كانوا يتوقون إلى الحرية ويثورون ضد الظلم والجهل.

“والسبب لانتشار مبدأ هو جعل الناس مستعدة لقبوله، فالظلم السابق يجعل الإنسان يتغير بسهولة، وينتقل إلى مبدأ ضده. فهذه هي الأسباب التي تغير الأفكار. فالدستور الذي هو الكتاب السياسي المقدّس للمملكة العثمانية لا يمكن حفظه ما لم تحفظه الجندية وتحام عنه. فيلزم، عند دخول الجندي في العسكرية، أن يحلف يمينًا بالمحافظة عليه، وكذلك كل مستخدم”.

إذا كان هناك ثورة، فهي ثورة على الظلم من أجل العدالة. وأفضل ترجمة لهذه العدالة هي بحفظ وصون الدستور الذي يشبِّه شاكر بيك لزوم حفظه والدفاع عنه كما يدافع الإنسان عن مقدساته.

“والأمل من مجلس (المبعوثان) تعديله ولا يكون اجتماعهم كبرج بابل تتبلبل فيه اللغات لكثرتها، ويتقلدون الخطباء الأقدمين بخطاباتهم، ويخرجون عن موضوع الإصلاح الحالي، وأن يسنّ لكل ولاية بعض قوانين مخصوصة حسب عوائدها، ومناخها، وعلمها وجهلها، ليكون الاتحاد أعظم... لأنَّ مملكتنا مكونة من ولايات فيها أعظم تمدن، ومن أخرى متوحشة جدًا، فلا يمكن تكلم الاثنين بلغة واحدة”.

كما هو معلوم أن جمعية الاتحاد والترقي وبعد ثورة 1908 قلصت من صلاحيات “السلطان عبدالحميد الثاني”، وأجبرته على إعادة العمل بدستور 1876 ووضعته موضع التنفيذ، كما أحيت الجمعية البرلمان “الأول” بعد أن كان قد أحله السلطان في 14 شباط 1878. وهذا الدستور كان امتدادًا لسياسة التنظيمات التي تستوجب وجود برلمان عثماني، تتمثل فيه كافة القوميات والأديان التابعة للمملكة العثمانية.

إن أمل شاكر بيك الخوري، منذ ما يزيد عن قرن من الزمن كان قد وضعه في مجلس المبعوثان الذي هو البرلمان الثاني في 1908، وهو أمل النخب العثمانية من بلاد الشام في حينها، عمل بالإصلاح والعدالة والحرية، ولعلنا نستطيع أن نردف بأن هذه الديمقراطية المتمثلة بحكم الشعب هي الدستور السياسي المقدس، الذي ناضل في سبيله وعمل من أجله اللبنانيون، منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى حتى أيامنا هذه. ويبقى السؤال بعد مئة سنة ونيف، هل يبقى البرلمان كبرج بابل تكثر فيه اللغات والخطابات ويندر فيه الاتحاد والترقي؟ 

اترك تعليقا