العرب في القرن الحادي والعشرين - جورج قرم

يشير قرم إلى ضرورة النظر إلى فراغ القوّة المستشري في العالم العربي من منطلق الانقسامات والتشرذمات الداخلية عوضاً عن إلقاء اللوم على القوى الخارجية فيفيد أن غياب النهج الموحّد للتعاطي مع السياسات الاقليمية والأخطار المحدقة هو نتيجة اهتزاز ثقتنا بمكوّنات هويّتنا. ويضيف أنّ الجدالات والنقاشات العقيمة والمستمرّة حول المسائل الدينية والمذهبية والسياسية والوهن الاقتصادي تجعلنا دومًا أسرى الشكّ والنزاعات. ولعلّ ما يميّز هذا الكتاب هو إقراره بأنّ المشاكل التي نتخبّط بها تنبع من محاولة حلّ أزمة الهويّة هذه. يتابع قرم ليشير إلى أنّ التشتت والخلافات تعيق إمكانية بلورة كتلة عربية موحّدة وتدفع بالمجتمع الدولي إلى عدم أخذنا على محمل الجدّ. فقد قامت بعض الدول كالولايات المتحدة وايران اليوم، والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقًا باستغلال ضعفنا والتلاعب بسياساتنا لخدمة مصالحها الخاصّة.

شأنهم شأن المفكرين وصانعي القرار في العالم العربي، اعتاد السكان أيضًا تحميل الغرب واسرائيل المسؤولية عن عيوبنا ومواطن ضعفنا، لكنّ الحقيقة أن التدخلات الأجنبية هي النتيجة لعجزنا وليست المسبّب لها. للأسف، تبدو الحال اليوم كأن لا نظام قيم مشتركاً يجمع الدول العربية وما كان لإقحام الدين في السياسة إلا أن عزّز وفاقم الفوارق والهوّة الشاسعة فيما بينها. ويشبّه قرم التطرّف الديني والإسلامي الذي انتقل إلى أفغانستان وشرق أوروبا بتطرّف الحركة الصهيونية التي تنظر إلى العالم من منظار ضيّق غير قادرٍ على استيعاب التنوّع وقبول الآخر.

فما هو إذاً سبب تخلّف الدول العربيّة؟ يرى قرم أنّه خلال عملية تفسيرنا وتبريرنا لتخلّفنا، ينبغي علينا الابتعاد عن المنظور الأنتروبولوجي الذي يقارن بلادنا العربية بالنموذج الغربي وهو يعتقد أن «الحوار الثقافي» عاجز عن حلّ مشكلة التخلّف، فجوهر المشكلة حسب رأيه هو أنّ الدول العربية أقبلت على الاستقلال من دون أن يكون لها أي خبرة سابقة أو تصوّر واضح لكيفية حكم الشعوب وإدارة البلاد.فعوضاً عن الإضافة إلى نهضة القرنين التاسع عشر والعشرين، اقتصرت تجارب السلطة ما بعد الاستقلال على استقدام الايديولوجيات الغربية التي لم تساهم إلا في زيادة حدّة الجدالات وتعميق الانشطار القائم بين الحداثة والتقليد وبين الدين والدولة. لهذا، يدعو قرم إلى التحرّر من هذه المعايير الغربية لأن في ذلك الخلاص الذي يسمح لنا ببناء نظام قيم واعتقادات موحّد ويعزّز عملية بناء الدولة.

أما فيما يتعلّق بالتقدّم الاقتصادي، فيدعو قرم إلى تبديل جذري في النظام الريعي، إذ يعتقد أنّه لا يمكننا الاستمرار بالعيش على ما نمتلكه من موارد قيّمة وأن تصديرنا لموارد الطاقة وإن كان يدرّ علينا بالمال، يبقى غير مكتمل ما لم يتمّ استثماره في الصناعة والخدمات، خصوصاً أن اعتماد اقتصادات المنطقة الكامل على النفط يجعلها عرضةً للتأثر بالأوضاع الراهنة في مناطق الاستيراد. فضلاً عن ذلك، يؤكد قرم أن النقص في الأبحاث وفي التنمية العلمية والصناعية في العالم العربي يجعلنا مفتقرين للقدرات الفنية اللازمة لاستخراج مواردنا.

هنا، يلقي قرم اللوم على صانعي القرار العرب والمفكرين على حدّ سواء، فالفكر السياسي العربي لم يتوجّه يوماً نحو الاقتصاد بالحماسة نفسها التي يبديها إزاء المسائل السياسية والدينية، ولم نعتزم يوماً المنافسة على الصعيدين العلمي والتقني على الساحة العالمية. أما المحصّلة فكانت مجموعة اقتصادات متشرذمة وموجات واسعة من الهجرة. وتبقى المفارقة أن هاجسنا الأول والأخير يبقى دوماً متّصلاً بالدين والهوية. 

اترك تعليقا