الكاتبة يمنى مدلج
عرّفينا عن نفسك، من هي يمنى مدلج وما الذي حفّزها للغوص في عالم الكتابة؟
أنا مصوّرة صحافية لبنانية، ولدت في بيروت في آب من العام 1956. درست التصوير في فرنسا وباشرت القيام بروبرتاجات صحفية حول المواقع الجغرافية والتاريخية فور عودتي إلى لبنان إذ لم تكن الفرص متاحة أمام اللبنانيين لاكتشاف بلدهم بحكم الحرب. لم أكن أكّرس الوقت الكافي للكتابة في بداية الأمر لأن الحياة العائلية كانت تصبّ دوماً في طليعة أولوياتي وكنت شديدة الحرص على الوفاء بالتزاماتي كزوجة وأم قبل أي شيء. لكن بعد أن كبر أبنائي، تفرّغت للكتابة التي باتت في صلب اهتماماتي.
في الواقع، كان لتطوّعي في أعمال الحفريات الأثرية في وسط بيروت في أوائل التسعينات الفضل الأكبر في اكتشاف وتعزيز شغفي بالتراث والآثار. كانت الأسواق اللبنانية شبه خالية حينها من الكتب والمنشورات التي تتناول هذا المنحى، فاعتزمت تخصيص جهودي وتوظيف خبرتي لسدّ هذه الثغرة وتوعية القرّاء الشّباب والبالغين للقيمة والمدلولات الحضارية الثمينة الماثلة في المواقع الثقافية والآثار التاريخية في لبنان.
لماذا اخترت نشر أعمالك بنفسك عوضاً عن الاستعانة بدور النشر؟
الحقّ أنني لجأت إلى إحدى دور النشر في بداية مسيرتي المهنية، لكنّ التجربة كانت محبطة وقد خرجت منها خائبة الظن وعازمة على عدم تكرارها مجدداً. كنت حينها في أوج الحماسة لنشر القدر الأكبر من أعمالي لكنني لم أجد التعاون الذي كنت أنشده في هذا الإطار ولم تكن أعمالي تلقى ما تستحقّه من الاهتمام والرعاية، فشعرت بالحاجة إلى إعادة النظر في هذه العلاقة واخترت الانتقال إلى النشر الذاتي. لحسن الحظ، أتى خياري صائباً وتبيّن لي لاحقًا أن هذه الخطوة صبّت في مصلحتي ووفّرت عليّ خسارة الوقت والمال والأعصاب.
ما هو عدد الأعمال التي نشرتها حتى اليوم وما هي الموضوعات التي تتاولها كتبك؟
كما ذكرت سابقًا، هدفت رسالتي منذ البداية إلى تسليط الضوء على الأوجه المتعدّدة للتراث اللبناني وقد ساهم المخزون الغني المتراكم بحكم عملي في الصحافة المصوّرة في تسهيل وصول تلك الرسالة. لا شكّ أن نجاح الكتب ما كان ليكون ممكنًا لولا المجهود الذي أضافته ابنتي جومانا مدلج التي أثبتت أنّها جزء أساسي من فريقنا المتكامل من خلال مخيلتها الخلاقة التي أبدعت تصاميم ورسومات جذابة ساعدت على تجسيد النص بصورة أشمل وأجمل.
لقد قمت وجومانا بنشر 13 كتاباً منذ العام 2004 وحتى اليوم. لكنّنا بتنا نعمد إلى نشر كتابٍ واحدٍ في العام نظراً لتقيّد جومانا بالتزامات ومشاريع أخرى. تتناول كتبنا مختلف الجوانب الخاصة بالتراث اللبناني وفي البعض منها دراسة لبعض المدن التاريخية كمدينتي طرابلس وجبيل وغيرها من المعالم والوجهات السياحية الأساسية كمغارة جعيتا وغابات الأرز. كل كتاب من السلسلة هو خلاصة بحث مطوّل يحتوي مجموعة موثّقة من المعلومات راجعها وصحّحها خبراء مختصين بالموضوع قيد البحث، أما اللغة التي استخدمناها لتجسيد هذا المحتوى القيّم فهي السهلة الممتعة يرافقها رسومات شيّقة. إن المزيج المتناغم بين المضمون واللغة والتصميم الفني الراقي جعل الكتب محطّ إعجاب الكبار والصغار على حدّ سواء والحقّ أن الفئات العمرية التي تقرأ كتبنا تتراوح بين 7 و70 عاماً.
هل تصفين الكتابة بالمهنة المربحة؟
لا أخفي عليك أنّ آفاق الأرباح ليست واعدة وغالباً ما تُوَظّف عائدات المبيعات كلّها في الكتاب أو المشروع التالي، لكنّ هذا لم يحبط يوماً عزيمتنا ولم يجعلنا نتوانى عن المضي قدماً لا بل على العكس زادنا إصراراً على إنتاج المزيد. كنت على يقينٍ في بداية الطريق أن المردود المادي الذي توفّره هذه المهنة لن يبني لي قصوراً، لكنّ هدفي كان دوماً أسمى وأرقى بكثير من ذلك، فالكتابة متنفّسٌ أعبّر من خلاله عن تعلّقي الوثيق بالتراث ومنبرٌ أنشر من خلاله الوعي لأهمية وروعة ثرواتنا التاريخية.
حين تلقى منشوراتك الأصداء المرجوّة ويصفّق لك القرّاء والنقّاد لما قدّمته، يصبح الربح تفصيلاً ثانوياً. منشوراتنا حاضرةٌ في مكتبات المدارس وهي خير مرجعٍ ودليل للمرشدين السياحيين والمغتربين والمقيمين، كما أنّها محطّ إعجاب الأطفال والكبار على حدّ سواء.
إلامَ تعزين الانخفاض في المبيعات عام 2012 وهل هي مرتبطة برأيك بمقولة أننا أمّة لا تقرأ؟
لقد كان العام 2012 عاماً صعباً على كافة الجبهات وباعتراف الجميع، وأعتقد أن اللبنانيين كانوا منهمكين بمواجهة التحديات والعقبات التي اعترضتهم على مرّ العام فلم يتسنّ لهم التفرّغ لشراء وقراءة الكتب. لسوء الحظ، لا يساعد المناخ المحفوف بالتوترات على تشجيع القراءة ويترجم ذلك انخفاضاً في نسبة المبيعات.
لكنني أرفض سوء التصوّر الشائع بأننا أمّة لا تقرأ فاللبناني محبٌّ للقراءة وقادر على التمييز والاختيار بحكمة بين الكتب القيّمة وتلك الأقل قيمة. معظم قرّائنا لديهم المجموعة كاملة (13 كتاباً) في مكاتبهم ويتواصلون معنا لمتابعة آخر الإصدارات.
هل من كلمة أخيرة تودّين إضافتها؟
كما سبق وذكرت، شكّل إعجابي وشغفي بالغنى التراثي والحضاري لهذا البلد حافزاً أساسياً لكتاباتي، لكنني كنت أتمنى لو أنّ الحكومة التفتت ولو بمجرّد كلمة شكر إلى ما قدّمناه ونستمر في تقديمه في سبيل إحياء التراث اللبناني داخل لبنان وخارجه فقد آن الأوان لإعطاء الفن والأدب الحيّز الذي يستحقّانه ومن واجب الحكومة أن تكون السّباقة في هذا الإطار.
اترك تعليقا