أنطوان بطرس - معنى التجدد في إقتصاد المعرفة

ومن الواضح أن هناك ضحية في هذا التطور النوعي. بل ثمة خاسر كبير هو ثقافة الشعوب وخبرتها المتراكمة، التي تشكل رأسمالا معرفيا كبيرا، باتت الشركات الصناعية الكبرى تمارس فيه استعمارا ثقافيا اذ عمدت إلى احتكار الثقافة. فالشركات الصيدلانية على سبيل المثال تلجأ إلى إيفاد خبرائها لتكتسب الحكمة والمعرفة من الجماعات الوطنية الأصلية في أستراليا وبابوا نيو غينيه، و تستخرج منها كل ما في مخزونها الثقافي من أسرار الطبيعة وما ورثته جيلاً بعد جيل من الخبرات الطبيّة، ثم تعمد إلى احتكارها قانونياً بشكل ماركات مسجّلة وتمنع الوطنيين من استخدامها وبالتالي الإفادة من خيرات بيئتهم .

وتلعب الاتصالات البُعدية دوراً كبيراً في تسارع وتيرة العولمة. ففي حين بلغت نسبة التجارة العالمية 28% من الناتج الإجمالي العالمي حتى الأمس القريب أصبحت تمثّل، منذ مقلب القرن اي عام 2000، 47 %. كما و أن الشركات المتعددة هي ال مسؤولة عمّا يتراوح بين 30-40 % من التجارة العالمية.

الابتكار والتجديد

يشكل الابتكار عنصراً أساسياً في تحقيق النمو الاقتصادي و رفع الإنتاجية. وللأسف لا يوجد رابط واضح مباشر بين المعرفة والابتكار. أضف إلى ذلك أن الرابط بين الجهد الخلاق و النتائج المتحققة أمر ليس من السهل تبيانه بصورة مباشرة. والرأي السائد هو أن الابتكار عملية تتداخل فيه الكثير من العوامل المتفاوتة التأثير والمتعددة الجوانب، كالسياسات المعتمدة وبنية الشركات وثقافتها الإدارية ومقدار انفاقها على البحث والتطوير وبنية الأسواق وطبيعة السلع.

وبالنظر إلى التركيبة المعقدة المتغيرة العناصر للابتكار، وهي صفة مشتركة مع المعرفة، فانه يصعب قياس الابتكار. تقليدياً كان يتم احتساب عامل التقدم التقني والابتكار كرصيد لما تبقى بعد حسم العوامل الاخرى الداخلة في العملية. لكن المشكلة تكمن في أن العناصر الرئيسية في عملية توليد الابتكار غير ملموسة ويصعب قياسها وتحديدها كالبنى التنظيمية و رأس المال البشري على سبيل المثال. كما وان المؤشرات المستخدمة لاحتساب الابتكار عديدة ولكن أبرزها هو عامل البحث والتطوير الذي غالباً ما يعتبر مرادفا للابتكار. لكن تبين أنه يصعب، على مستوى النتائج الإجمالية، تقديم دلائل منتظمة على تأثير هذا العامل. كما لا توجد علاقة واضحة بسيطة بين البحث والتطوير من جهة والناتج المحلي الإجمالي من جهة أخرى، وذلك على الرغم من أن ببعض النتائج تبدو ظاهرة بوضوح على صعيد النمو وأبرزها العائدات الاجتماعية الواضحة.

ويصعب كذلك احتساب الابتكار في قطاع الخدمات، والذي يقدر بما يتراوح بين 60-70 % من اقتصاد الدول الصناعية، وما يتراوح بين ثلث وسدس مجموع الانفاق على البحث والتطوير. ومن الواضح أن العلم بات يلعب اليوم دورا أكثر أهمية كمورد للإبتكار. ولم يعد من الجائز النظر إلى نتائج المؤثرات العلمية والتكنولوجية والابتكارية نظرة خطية مستقيمة، وبات الأصح مقاربة الوضع بنظرة متعددة الاتجاهات ووفق منظور شمولي.

اعتمدت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي OECD مقاربة «مثلثة» لتحديد ماهية التجدد من الوجهة الاقتصادية وهي: أولا ابتكار خلق معرفة جديدة (generation of new knowledge)، ثانياً تحديد الروابط القائمة بين القطاعات الصناعية والعلوم (Industry-science linkages)، وثالثاً الابتكار الصناعي ومدى انتشار التكنولوجيا ومستواها.

والمقصود بالتجدد الصناعي هو عمليات البحث التي يمولها قطاع الأعمال، مع تحديد نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي، وعدد الباحثين العاملين في قطاعات الأعمال مع نسبتهم إلى عدد معين من العاملين (10000 عامل بحسب منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي OECD)، وعدد براءات الإختراع ونسبتها من كل مليون نسمة، ونسبة الشركات التي تطرح منتجات أو سياقات جديدة أو محسنة من الناحية التكنولوجية. علما بأن عدد براءات الاختراع ونسبتها تعتبر من أهم مؤشرات اقتصاد المعرفة.

وتلخص منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي دور إدارة المعرفة بالتالي:

إيجاد ثقافة مشاركة معرفية، إتباع سياسة حوافز لتشجيع المستخدمين على اعتماد المعرفة، إقامة تحالفات وروابط لاكتساب المعرفة، و اعتماد سياسة رسمية ومدونة لإدارة المعرفة. 

اترك تعليقا