الأزمة السورية وتداعياتها على القطاع التربوي

في سوريا، بات الذهاب إلى المدرسة يشكّل تحدياً للطلاب والأساتذة معاً فطريق المدرسة باتت أشبه برحلة سفر تدوم لساعات ويمرون خلالها بعدة حواجز ونقاط تفتيش، حتى أنّ وزارة التربية قامت بالتساهل مع الطلاب إزاء ضرورة ارتداء الزيّ المدرسي لأسباب تتعلّق بسلامتهم. أما النازحون داخل سوريا فقد واجهوا تعقيدات شائكة خلال تسجيل أبنائهم في مدارس المناطق التي نزحوا إليها لأن معظمهم غادروا منازلهم على عجلة من أمرهم من دون جلب أي سجّلات مدرسية. هذه الوثائق أساسٌ في عملية التسجيل لكنّ معظمها لم يعد متوفّراً نتيجة تعرّضها للتلف أو الحرق إثر الهجومات على المدارس أو بات من الصعب الحصول عليها لعدم تمكّن السكان من العودة إلى مناطقهم، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ العديد النازحين اتّخذوا من بعض المدارس الرسمية مقراً لهم.

أما طلاب الجامعات فلم ينجُ هم الآخرون من ضغوطات التنقل في ظلّ انتشار الحواجز ولم تستثنِ أعمال العنف حرم الجامعات خصوصاً بعد تعرّض جامعة حلب لتفجير أودى بحياة 82 طالباً في أول يوم من امتحانات الفصل. تختلف العقبات التي يواجهها الطلاّب السوريون في الخارج، ففي جامعات أوروبا، يشكو البعض من انقطاع المنح الدراسية عنهم نظراً لمناصرتهم للثورة في حين يتذمّر آخرون من عدم القدرة على استلام الأموال من أهلهم نظراً للعقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على التعاملات المصرفية القادمة من سوريا. عجز الطلاب عن تسديد أقساطهم يعيق عمليّة تخرّجهم ويعرّضهم بالتالي لخسارة تأشيراتهم وخطر العودة إلى وطنٍ متزعزع الأوصال.

يشكّل الأولاد بعمر الدراسة نحو 30% من مجمل اللاجئين السوريين ويشير التقرير الصادر عن اليونيسيف حول الأزمة السورية في 11 كانون الثاني أن التعليم هو القطاع الأقل تمويلاً بين سائر القطاعات، ففي الأردن على سبيل المثال، يحتاج اللاجئون إلى 17.76 مليون دولار لتلبية حاجاتهم التعليمية لكن لا تتم تغطية أي من هذا المبلغ، أما في تركيا، فقد أوردت اليونيسيف أن الأولوية هي لتأمين أساتذة قادرين على التعليم باللغة العربية. والواقع أنّ اللاجئين في تركيا بادروا إلى إنشاء مدارس خاصة بهم لتأمين التربية لأبنائهم، لكن السّلطات التركية تخشى إجازة هذه المدارس خوفاً من الاستيطان فيما بعد وبالتالي يضطرّ السوريون إلى ايجاد ما تيسّر من أبنية لإيواء الطلاب والصفوف. أما الأساتذة الذين أنشأوا هذه المدارس فهم متطوعون كانوا يعلّمون في سوريا قبل الفرار من الأزمة. يصعب إيجاد أساتذة للتعليم بالعربية داخل المخيمات ولذلك يعمد من توفّر منهم إلى الحفاظ على المنهج الذي كان متبعاً في سوريا، لكن غياب التمويل والدعم من السلطات التركية يعيق إمكانية الاستمرار في صيانة هذه المدارس.

أزمة التمويل هذه تشمل القطاع التربوي في لبنان أيضاً، فالنقص في الموارد المالية يحبط محاولات التحسين والترميم خصوصاً أنّ عدد الطلاب السوريين المسجّلين في المدارس الرسمية اللبنانية بلغ 27,112 طالباً وفقاً لأرقام وزارة التربية والتعليم العالي. ويعاني هؤلاء من صعوبات في التأقلم مع المنهج اللبناني نظراً للتفاوت في مستوى اللغة خصوصاً أن العديد من المواد تعلّم في مدارس لبنان باللغتين الفرنسية والانكليزية. علاوةً على ذلك، يفيد السوريون أنهم قد تعرَّضوا للمضايقات والإساءات من قبل الطلاب والأساتذة اللبنانيين على حدّ سواء.

تجدر الإشارة إلى أنّ بعض العائلات النازحة تفتقر للإمكانيات الماديّة الكافية لتسجيل أولادها في المدارس. في مخيّم الزعتري في الأردن، تمّ افتتاح مدرسة جديدة قادرة على استيعاب 4200 طالب سوري، لكنّ الشبكة المشتركة بين الوكالات للتعليم في حالات الطوارىء أفادت أن عدد السوريين الذين سجّلوا بلغ 3450 فقط، وهو دليل على أن القيود المادية تحدّ من آفاق استمرارية التربية في أوساط اللاجئين 

اترك تعليقا