العراق مقبرة الصحفيين

يبدو الأمر جلياً في العراق الذي شيّع عددا لا يستهان به من الصحفيين العراقيين و غير العراقيين منذ الغزو الأميركي عام 2003 حتى نهاية 2012 نتيجة العنف المسلح، فوصل عدد الضحايا خلال الفترة المذكورة إلى 373 وفق نقابة الصحفيين العراقيين؛ هذا الرقم إختلف بين مصدر و آخر إذ سجل حسب «مراسلون بلا حدود» 190 صحافيا و 382 وفق موقع محكمة بروكسل الدولية. هذا الإختلاف بالأرقام يطرح علامة إستفهام كبيرة فإما أن نكون غافلين عن ضحايا سقطوا و إما أن نكون مضخّمين لواقع ليس بالمرير.

لايخفى على أحد أن الصحفيين في العراق يعملون وسط اجواء أمنية خطرة، تحت وطأة النزاعات السياسية و الطائفية المهيمنة من جهة والمداهمات لمؤسسات الإعلام وإعتقال الصحفيين وتوقيف عمل القنوات العراقية بالإضافة لتحطيم معداتها دون مبررات قانونية وتعريض بعضهم للتعذيب داخل أماكن الاحتجاز من جهة أخرى. فالأجهزة الجانية لم تدرك بعد طبيعة مهمة الصحفي وما تقتضيه مهنته من التزامات بالسماح له بحرية العمل والوصول للمعلومة دون قيود وهذا الخلل بات يشكل حاجزا يقف في وجه العمل الصحفي. فبالرغم من إقرار قانون حقوق الصحفيين والمصادقة عليه ، إلا أن كل ذلك لم يمنع هؤلاء من الذين يعملون في الزوايا المظلمة ووفق أجندات خارجية من استهداف الصحفيين بالقتل ظنّا منهم أن أسلحة الكواتم قادرة على كتم الأفواه ووضع مسارات العمل الصحفي بالإتجاه الذي يريدونه.

وفق الموقع الإلكتروني لمحكمة بروكسل، توزع عدد القتلى في الحقل الإعلامي من 2003 حتى 2012 على الشكل التالي:

السنة

القتلى في الحقل الإعلامي من الجنسية العراقية

القتلى في الحقل الإعلامي من غير العراقيين

المجموع

2003

11

20

31

2004

53

6

59

2005

58

1

59

2006

88

2

90

2007

81

1

82

2008

19

0

19

2009

8

0

8

2010

15

0

15

2011

13

0

13

2012

6

0

6

المجموع

352

30

382

المصدر: الموقع الالكتروني لمحكمة بروكسل

أغلب القتلى كانوا ذكورا إذ بلغ عددهم 346 مقابل 36 من الإناث العاملات في الحقل الإعلامي. وتم إغتيال الأغلبية الساحقة من الصحفيين في بغداد وضواحيها ولم تسلم الصحافة الكردية من يد الاجرام في مدينتي الموصل وكركوك وقد قتل أكثر الصحفيين رمياً بالرصاص ربما لأن تصريحاتهم لم تُرضِ هؤلاء في حين لاقى آخرون حتفهم جراء تفجير أو إعتداء. ناهيك عن الإعتقالات التعسفية والضرب والمضايقات ومصادرة وتدمير المعدات والاحتجاز والتهديد بالموت.

الاسباب الرئيسية التي تكمن وراء تكرار الاعتداءات على الصحفيين هي ضعف الاجهزة الأمنية وعدم ملاحقة الجناة؛ إذ أظهرت قائمة الإفلات من العقاب التي أصدرتها لجنة حماية الصحفيين والتي تتخذ من نيويورك مقراً لها، أن العراق صُنّف لخمسة أعوام متتالية كأسوأ دولة من حيث مواجهة قضايا اغتيال الصحفيين، حيث لم تتوصل السلطات العراقية للجناة في 90 قضية اغتيال و سُجلت جميع عمليات الاغتيالات التي طالت الصحفيين ضد مجهول ولم يتم حتّى التحقيق في تلك الجرائم، ولا يزال قتلة الصحفيين يسرحون ويمرحون دون ان ينالوا جزاءهم العادل. لذلك و نظراً لما تشيره الأرقام من عدد مرتفع للضحايا، يجب توفير الحماية القانونية للصحفيين ومؤسسات الاعلام بما يضمن فعليا عدم التجاوز من قِبل الاجهزة الأمنية العراقية والاجنبية، بحيث ترى هذه الجهات ان هناك عقوبات رادعة للمسيئين من افرادها تجاه الصحافة والاعلام، إضافة لدعم نقابات واتحادات الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني معنويا وماديا في سبيل تفعيل دورها واعطائها صلاحيات قانونية اكبر للدفاع عن نفسها تجاه التجاوزات والاعتداءات.

إن مستقبل الديمقراطية في العراق اليوم على المحك حيث القيام بقمع الصحافة يعني الرجوع لعصر الاستبداد والطغيان وعسكرة المجتمع، فعن أية حرية نتكلّم إذا كانت الافواه مكتومة ؟ 

اترك تعليقا